اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في لحظة سياسية وأمنية دقيقة، وفي مشهد يتجاوز الاطار الاحتفالي والبروتوكولي، أطلّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من قيادة الجيش في اليرزة، في حدث سياسي – أمني بامتياز، حاملاً خطاباً رسمياً رسم معالم التموضع الرئاسي المقبل، بلغة درست مفرداتها وعباراتها، من قبل من صاغ خطاب القسم، وسط جو اقليمي متفجر وتدخلات دولية متشابكة، في ظل التحديات الإقليمية المتسارعة والانقسامات الداخلية المتفاقمة. فالخطاب غير العادي، توقيتا ومضمونا، حاملا رسائل مزدوجة، متوجها نحو الداخل، كما الى الخارج المعني بملفات لبنان، مصوبا النقاش حول موقع الرئاسة، دور الجيش، وحدود التلاعب بالسيادة الوطنية.

في الشكل والتوقيت، جاء الكلام بعد أيام من زيارة توم براك إلى بيروت، وبعد معلومات عن مفاوضات غير معلنة بين سوريا و "إسرائيل" برعاية دولية، كما تزامن مع اهتزازات داخلية في الجنوب والسويداء، وضغوط اقتصادية هائلة. فبعيداً عن المناسبة الظرفية، توقفت مصادر مواكبة عند جملة من النقاط الاساسية، التي تقرأ بين سطور كلامه، ابرزها:

- بدأ الرئيس عون خطابه بتسليط الضوء على ما وصفه بـ"البوصلة الوطنية"، أي الجيش اللبناني الذي بقي متماسكا، يؤمن الاستقرار ويتصدى للفوضى، في ظل تفكك القطاعات وتآكل الإدارات والانهيار الاقتصادي، مشددا على أن الجيش لم يعد مجرد قوة أمنية، بل هو كيان جامع يعكس وحدة الكيان، ويمنع الانزلاق نحو الفيدراليات المقنعة أو التقسيمات الواقعية. وعليه كان تأكيده على الحاجة الى مليار دولار سنويا ولمدة عشر سنوات لتمويل القوى الامنية، الضامنة للقرارات الدولية وتطبيقها.

- من خلال نبرته، بدا واضحا أن الرئيس يريد إعادة رسم صورة الرئاسة الأولى بعد سنوات من الفراغ والتهميش، رافضا منطق "الرئيس التسوية" أو "الرئيس التوافقي الضعيف"، الذي يخضع لاي طرف، او يتلقى تعليماته من الخارج، موحيا بأن بعبدا في عهده لا تقبل أن تُستخدم لتجميل المشهد، بل ستكون لاعبا وازنا ومؤثرا، حتى لو بدا ذلك غير مريح لبعض الداخل أو الخارج، مرسلا إشارة ضمنية إلى الطروحات التي تسعى إلى إعادة إنتاج نظام الطائف بصيغة "مُقلمة" للرئاسة، مؤكدًا أن دور الرئاسة اليوم لا يقل عن دور أي رئاسة في الطوائف الأخرى.

- لم يخلُ الخطاب من إشارات إقليمية، إذ من الواضح ان كلامه موجه إلى العواصم المتابعة للملف اللبناني، من واشنطن إلى طهران مرورا بباريس والرياض. فدعوته إلى التمسك بالقرار الوطني المستقل ورفض الإملاءات، لم تكن فقط رسالة سيادية، بل ردًا على محاولات ربط مصير لبنان بتسويات المنطقة، مع ما يعنيه ذلك من أن الدولة اللبنانية لا يمكنها أن تكون ورقة تفاوض في يد أحد، ولا هامشا يُلحق بملف أكبر، فهي صاحبة قرار ودور.

- ركز الخطاب على أهمية الحفاظ على التوازن بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية، فبينما شدد عون على أن الجيش ليس بديلا عن الدولة، أكد أن الدولة لا يمكن أن تبقى قائمة إذا تفكك الجيش، من هنا ضرورة تعزيز قدرات الجيش، وليس تطويقه أو تحييده. فالدعم الدولي للجيش مرحّب به، شرط ألا يكون مشروطًا، وأن يُترجم فعليا من خلال الاستقلالية التامة عن أية أجندات خارجية.

وتتابع المصادر بان هذا السقف العالي، سيجد ترجمته "ديبلوماسيا" في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء، كاشفة أن خطوط التفاوض مفتوحة على مدار الساعة بين المقار الرئاسية وحزب الله، سواء عبر اتصالات أو زيارات معلنة وغير معلنة، من ضمن مساعٍ سياسية تهدف إلى تهدئة الأجواء، والتوصل إلى رؤية مشتركة حيال قضية السلاح، حيث نجح الوسطاء في التوصل الى اتفاق بين اطراف الحكومة المختلفة، على عدم اعتكاف او انسحاب أي منهم منها، فيما يستمر التركيز على ضرورة وضع خطة واضحة قبل جلسة الثلاثاء، تنطلق من خطاب القسم والبيان الوزاري، على ان تبقى مسألة تحديد المهل "مشكولة".

وختمت المصادر، بان المعضلة الكبرى  تبقى في ان النقاط الثماني التي وضعها عون كخارطة طريق، سبق ان تبلغت بيروت رفضها من قبل واشنطن و"تل ابيب"، وهو ما يعني عمليا، ان كل ما سيبحث الثلاثاء سيكون خارج السياق الدولي. وربما غياب ردود الفعل الدولية حول ما اعلن، احد المؤشرات في هذا الاتجاه، لتبقى النتيجة الوحيدة، استيعاب البيئة الشيعية من جهة، واصرار على تطبيق خطاب القسم والبيان الوزاري من جهة اخرى.

فهل تنجح الجهود في ابعاد الكأس المرة التي يتوقعها الجميع؟ ام ان ما حصل ينطلق من مبدأ اللهم اشهد اني بلغت؟ الجواب لن يكون قبل الثلاثاء...

الأكثر قراءة

جهد رئاسي للوصول الى صيغة توافقيّة لحصريّة السلاح... وإلّا المجهول؟ حزب الله يزور عون في الرابية الاثنين... ولقاء قريب مع جنبلاط الانتخابات النيابيّة مفصليّة: الحريريّون باشروا التحضيرات... وتحالف «الاشتراكي» و«القوات»