اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لم يكن درس الفلسفة في ذاك اليوم درسا عاديا، فقد حضر أستاذ الفلسفة إلى صفّه حاملا جرّة زجاجية فارغة، وبعض الأكياس التي حوت موادا مختلفة. وضع الأستاذ الجرة على الطاولة أمام تلاميذه وسأل: هل الجرة فارغة؟ أجاب الكل بنعم. سارع الأستاذ وملأها بحجارة كبيرة حتى لم تعد تسع، وسأل هل امتلأت الجرة؟ أجاب الكل بنعم مجددا. فعاد وأضاف حصى صغيرة أخذت مكانها بين الحجارة، واعاد السؤال، فاجاب الكل نعم امتلات الجرة ليعود ويضيف الرمل الذي تسلل بين الحصى وملأ الفراغ، فسارع التلاميذ إلى إجابته : لقد امتلأت الآن، ولكنه استطاع إضافة الماء، وهنا كانت الجرة الزجاجية قد امتلأت بالفعل.

تمكن استاذ الفلسفة من جذب انتباه تلاميذه التام، ليعود ويربط تجربة الجرة الزجاجية بالحياة.

فالحجارة الكبيرة تمثل الأشياء المهمة في حياة الشخص، كأسرته، صحته وعلاقاته. وأما الحصى فهي العمل والدراسة والمنزل والأشياء التي يحب امتلاكها، وهي أشياء متغيرة تتصف بإمكانية تعديلها واستبالها. أما الرمال فهي الاشياء الصغيرة الأخرى كالهوايات مثل التنزه أو اللعب أو السفر وغيرها. فيما يشكل الماء مواقف أخرى يتعرض المرء لها ويساهم بها، وتترك له اثرا على مستوى الرضى أو عدمه في علاقاته أو في النقد الموجه إليه, والهموم والتفكير الزائد الذي قد يتاتي منها.

ماذا لو اقتصر الامتلاء على الحجارة؟ لغدت الحياة فارغة، لا طموح ولا هدف ، لا تحقيق ذات ولا حتى ترفيه. فتدخل الرتابة التي تنغص عليك استمتاعك باشيائك الاساسية من صحة وعائلة.

وماذا لو ملأنا الجرة بالحصى أولا، هل يتبقى مكانا للحجارة؟ الجواب هو لا قطعا، وهذا ما يحدث للمنغمسين في العمل لدرجة لا يولون فيه العائلة أو الصحة ولو حيزا. ونفس الأمر يحدث إذا ما تم ملء الجرة بالرمل أولا ، فلن يعود هناك متسعا لا للحصى ولا للحجارة.

يخلص الاستاذ لاستنتاج العبرة من التجربة التي قدمها، بعد ربطها بالحياة. فالأشياء التي لا يمكن تعويضها، والتي هي الصحة والعائلة والعلاقات المهمة لصحتنا النفسية والروحية، لا يمكن إلا أن نقدمها على أولويات الحياة، فتكون أول الأشياء في سلم اهتماماتنا وأولوياتنا. ويأتي خلفها العمل والدراسة وتحقيق الذات، شراء منزل أو سيارة ، وغيرها من الامور التي فيها من الأهمية الكثير ولكنها قابلة للتغيير والإستبدال. وهذا ما يجعلها مواكبة للأولوية الاولى، دون أن تتقدم عليها، لتأتي بعدها الهوايات وتعبئة أوقات الفراغ والتسلية، التي تضيف نكهة للحياة، ورونقا، وتجددا، يسمح بالراحة من هموم العمل، ويعطي الأسرة والعلاقات والصحة دفعا إيجابياً، لما له من تاثير نفسي مريح..

يأتي الخوف والقلق والتوتر عاملان، إن ملأت بهما حياتك، فقدت كل شغف بالحياة، وخسرت صحتك وعملك ودراستك حتى، حين يكون القلق مسيطرا على تفكيرك بالكامل، نتيجة نقد او حالة معينة.علما أن إضافة القلق المتمثل بالماء في الخطوة الأخيرة، تجعله يتسرب بكميات جد قليلة، تساعد على الإبداع والخلق، وتحمي من الانتكاس في حركة طبيعية يحمي فيها المرء نفسه ومن يحب .

فرغم كل الظروف والتفاصيل التي تحيط بك، أنت المسؤول الأول عن عقليتك، نظرتك للأمور ومقاربتك للحياة. فالأفكارهي الطاقة المحركة للشعور ومن خلالها التصرفات. لذا فالسيطرة على أفكارك وتحسين رؤيتك ، يشكلان قاعدة ذهبية لشعورك وتجاربك . فبدل أن تذهب لتصحيح العالم الخارجي، إعرف نفسك، أولوياتك، ونظم الحياة بأفكارك أولا، ثم انطلق لتطبيقها بكثير من إنصاف الذات، الذي إن لم تقدمه لنفسك لن يقدمه أحد لك.  

الأكثر قراءة

إضراب عالمي لوقف الإبادة في غزة! الخلافات بين واشنطن و«تل ابيب» تتفاقم... بلينكن: بعد الحرب دولة فلسطينيّة! حزب الله يُواصل دكّ تجمّعات ومواقع «إسرائيليّة» عند الحدود مع فلسطين المحتلة