اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لنتذكر وصف النجمة اليونانية، ووزيرة الثقافة لاحقاً، ميلينا ميركوري، الكولونيلات الذين استولوا على السلطة في بلاد سقراط، وأريسطو، وأفلاطون، بـ "أصحاب الأرواح المصفحة. "هؤلاء الذين يمتلكون مناعة خارقة ضد الصواعق، وضد الزلازل، وضد الأوبئة، وحتى ضد الموت ...

لست ضالعاً، ولا ضليعاً، في ثقافة الغيب، لكنني قرأت عن "يوم الحساب. " ثمة ملاك (ويتطاير من عينيه الشرر) ينتظرنا حالما يهال علينا التراب. هذا لأسأل ما كان احساس نجوم الطبقة السياسية حين كادت جدران غرف نومهم الفاخرة تطبق عليهم؟ حتماً الهلع، وباقتراب يوم الحساب، باعتبار أن من أذاقونا، في الدنيا، نيران جهنم لا بد أن يذوقوا، في الآخرة، نيران جهنم !

لكنهم، ايضاً، من أصحاب الأرواح المصفحة. بالرغم من ذلك، يفترض أن يعوا أن ما يربطهم بالبقاء أوهى من خيط العنكبوت.

ربما كان بيننا من يتخيّل أنهم سيخرجوننا من لحظات الرعب التي ما زالت تلاحقنا منذ أن هربنا الى العراء (نحن رعايا العراء)، بمفاجأة سارة. أن يعلنوا اعتزال السياسة والشبق الى السلطة، ليتوقف صراع الطرابيش الفارغة حول من يكون رئيس الجمهورية . بتلك الصلاحيات السريالية ماذا يستطيع رئيس الجمهورية أن يفعل وسط هذا الخراب حتى ولو هبط من السماء ؟

هؤلاء، يا رفاقنا في العراء، لا يندمون على ما اقترفت أيديهم (أيديهم البيضاء في نظر أتباعهم)، ولا يدركون أن التصدعات السياسية، والطائفية (تزامناً مع التصدعات السوسيولوجية) لا بد أن تقود الى ما هو أكثر كارثية من التصدعات الجيولوجية.

ثمة زلزال دموي ينتظرنا اذا ما بقينا في هذا الهذيان. لبنانيون تحت الأنقاض. ما حدث في باريس أن الذين التقوا هناك لم يحاولوا حتى انتشالنا من تحت الأنقاض ولو بفرشاة الأسنان. يا لأسنانهم الناصعة ...!!

في هذه الأيام، وبعيداً من الرؤية (والرؤيا) الماورائية، كم نكتشف هشاشتنا كبشر. تصوروا كيف أن الزلزال وحّد بالدم ما بين سوريا وتركيا. ما أخفقت الديبلوماسية، وخلال سنوات، أن تفعله، فعله الزلزال خلال ثوان، ودون العودة الى التفاصيل المرّة في حضرة الكارثة.

ليكن الانسان، لا التاريخ، ولا الايديولوجيا، وهما لا ينتجان سوى الكراهية، ما يجمع بين سوريا وتركيا. ولنتوقع أن كلاً من بشار الأسد ورجب طيب اردوغان، يمد يده الى الآخر لغسل آثار تراجيديا الفجر. أيضاً آثار التراجيديا التي ما زالت ترخي بظلالها على سوريا تحت حصار لم يحرك الضمير الأوروبي. أيّ ضمير لدى الأباطرة حين يتحولون الى خراف في الحظيرة الأميركية ؟

على مدى يوم كامل، انتظرنا أن يهبّ القديس فرنسيس الأسيزي (الذي أخذ منه البابا اسمه) من تحت التراب، ليصرخ في وجه تلك الأوثان، كما لو أن الضحايا في سوريا التي قال فيها المؤرخ، والمستعرب، الفرنسي جان ـ بيار فيليو "سوريا تاريخنا .." ليسوا بالكائنات البشرية .

ماذا عن تلك المعارضة التي بلغت التفاهة بأحدهم، وهو من اشتكى لأن "الأتراك باتوا يعاملوننا كما أكياس القمامة"، حد القول ان "ما عجزت عنه الثورة في تقويض النظام لا بد أن يفعله الزلزال" !!

ذات يوم وصف سعيد تقي الدين الواو بين سوريا ولبنان بـ"الواو الكافرة. " كم واو كافرة صنعها السوريون وصنعها اللبنانيون؟ الآن وقت للقلب. ثمة كارثة ما فوق البشرية. ماذا كانت ردة فعل من يعتبرون أن السيادة، سيادة لبنان، لا تتحقق الا بادارة الظهر (والقلب) لدمشق، والرهان على من ينظرون الينا، ويتعاملون معنا، كوننا الحثالة على قارعة التاريخ، بل وعلى قارعة الزمن ؟

رجاء اقرأوا الأميركي برنارد لويس، والفرنسي برنار ـ هنري ليفي، لتدركوا ما نحن في نظر من يقودون تلك العربة التي تدعى ... الكرة الأرضية .

أكثر من البطانيات، ومن علب الكونسروة. هذا وقت للانسان فينا، مثلما هو وقت للقلب لأشقائنا السوريين. ولتكن سياسات القلوب المفتوحة، والحدود المفتوحة، لا لمهربي المازوت والطحين، بل، وكما دعا نزار قباني، لـ"حملة البنفسج".

هذا ما يحتاج اليه لبنان، وما تحتاج اليه سوريا ...

الأكثر قراءة

أزمة «التوقيت» تتفاعل... وزراء يتمردون على ميقاتي معراب مطمئنة بعد لقاء البخاري: لا انقلاب سعودي في الافق