اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

حين نتابع، كلبنانيين ننتظر ما تحمله الينا لعبة الأمم، وصراعات الأمم، ما جرى خلال يوم الصناديق في تركيا. سباق الخيول بين رجب طيب اردوغان وكمال كيليتشدار أوغلو. لا طوابير الماعز كما هي حالنا، بل صراع ديموقراطي بين السياسات والاستراتيجيات والرؤى، وأيضاً بين «الأنا» و»الأنا»، بلمسات فرويدية (أونرجسية) تحكم شخصية كل من الرجلين.

الموزاييك التركي أكثر تعقيداً من الموزاييك اللبناني. تشققات طائفية واتنية. ما حدث صباح الأحد اختزل الخلفية البانورامية للمشهد. اردوغان أدى الصلاة، في مسجد آيا صوفيا (وكان كاتدرائية قبل سقوط القسطنطينية، لتتحول الى مسجد ثم الى متحف ثم الى مسجد). أوغلو توجه الى نصب كمال أتاتورك ليضع اكليلاً من الزهر.

صراع بين سياسي يتأرجح بين جاذبية التاريخ وجاذبية الايديولوجيا، وآخر يعتبر أن الحداثة الغربية، وان أدت الى زعزعة الهوية الحضارية، المدخل الى القرن...

مثلما أبتلينا بأنصاف الآلهة، ابتلي الأتراك بالجنرالات الذين لم يتحولوا الى سلاطين فحسب، وانما الى آلهة، قبل أن يدفعهم اردوغان، بصلاحيات الآلهة، الى الظل.

الأحد لم يكن يوم الاستفتاءات الفضائحية الشائعة في العالم العربي. لم يسق أحد الناخبين بالعصا، ولم يذهب أحد بعينين مقفلتين الى صناديق الاقتراع، للاعلان عن الرقم الذهبي (99.9 %) للمرشح الأوحد، أو شبه الأوحد. وكان على الانكليزي ديفيد هيرست أن يتساءل ما اذا كان الأنبياء يمكن أن يحصلوا في أي استفتاء على 51 %.

كثافة الاقبال على الصناديق كانت مذهلة (88.92 %) ، كدلالة على حساسية الصراع في الذكرى المئوية الأولى لقيام الجمهورية، وبعدما أدت الحرب العالمية الأولى الى تفكيك السلطنة، ليظهر ذلك «الذئب الأغبر» الذي أحل الصيغة العلمانية محل الصيغة العثمانية العفنة.

كنا وما زلنا، حائرين حول الموقف من المرشحين للدورة الثانية (28 أيار)، بعدما حال سنان أوغان الذي اقترع له القوميون المتشددون، بالمنحى الطوباوي، دون تجاوز أي من المرشحين عتبة الـ 50 %.

راهنا طويلاً على سقوط رجب طيب اردوغان، بعدما كانت كل المؤشرات تدل على أن وصوله الى دمشق (وكان يتوقع أن يختال على حصانه في فناء الجامع الأموي) يستتبع تلقائياً الوصول الى بيروت.

من هنا الانطلاق لتنفيذ مخططه باحياء السلطنة العثمانية بجذورها السلجوقية. لولاه لما أصاب سوريا ما أصابها، دون تبرئة الكثير من مسؤولي الداخل.

لكن الرئيس التركي الذي حمل راية الاسلام للوصول الى مبتغاه، ما لبث أن فوجئ بأنه يلعب في الخواء. القوى العظمى قالت كلمتها «لا للسلطنة». هكذا سقط «الاخوان المسلمون»، النيوانكشارية في خدمة النيوعثمانية، في مصر بالدبابات بعدما انتزعوا الثورة خلسة من أهلها، كما سقطوا على أبواب عاصمة الأمويين...

كان لا بد لاردوغان، وقد أقام نوعاً عجيباً من التوتاليتارية أن يعود الى وعيه. بالأصابع المخملية لا بالأصابع الغليظة، دق على الباب السعودي وعلى الباب المصري، ليبحث عن طريقة سحرية تخلصه من الأعباء القاتلة التي نتجت من تورطه في سوريا.

واذا باءت بالفشل كل محاولاته تهريب «الاخوان» الى السلطة هناك، بعدما باعهم كما تباع الخردة في أكثر من مكان، عاد ليمد يده الى الرئيس بشار الأسد.

الأقرب الى واشنطن أم الى موسكو؟ الروس يفضلون فوزه لولاية أخرى. الأميركيون الذين يحتضنون فتح الله غولن يسعون الى خلعه. رجلهم كمال كليتشدار أوغلو الذي يطرح نفسه رجل الخلاص، ولكن بكل مواصفات «القهرمانة الأميركية «، البعض يعتبر بمنتهى السذاجة، أنه يستطيع أن يكون قناة التواصل بين واشنطن ودمشق.

الأتراك من يصنعون رئيسهم. نحن جماعة الـ «كم أرزة العاجقين الكون» نتسكع على الأبواب ليأتونا برئيس تحار أهو الهوت دوغ الأميركي، أم الـ Coq au vin الفرنسي، أم الكبسة السعودية، أم الديزي الايرانية. كل هذه الأطباق في طبق واحد. فضيحة... !! 

الأكثر قراءة

نهاية الزمن اليهودي في أميركا؟