اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


..."لكي يدركوا ما تفعل بهم الحرب، ولا يحاولوا ذلك مرة أخرى". هذه نظرية موشي دايان، غداة حرب حزيران 1967. غارات صاعقة بقوة نارية هائلة، مع الترويع السيكولوجي للعدو "لتسقط النجوم من الساعة الأولى عن أكتاف الجنرالات". كيف يمكن لأي عربي أن ينسى كيف تقوست ظهورنا وأرواحنا آنذاك؟

غسان كنفاني الذي اغتالوه خوفاً من كلمته، رد على ذلك بالقول "ليدركوا أيضاً أن التراب لا يهال على موتانا". حتى القبور تتحول الى خنادق. هذا ما حدث في لبنان، ليكتب عاموس عوز عن "رياح جهنم التي تهب من هناك"، وليموت مناحيم بيغن وهو يلتف ببطانية الصوف، ولتتحدث "هاآرتس" عن الضربة على الرأس التي جعلت آرييل شارون يدخل في الغيبوبة، قبل الغيبوبة الأبدية.

نتوقف عند ما قرأناه للفيلسوف الفرنسي اليهودي برنارـ هنري ليفي، وقد اعتدنا على العودة اليه بالنظر لتأثيره على العقل الغربي، وحتى على العقل العربي (أي فجيعة تلك حين يقول أن لديه عدداً كبيراً من الأصدقاء العرب؟) كان يعقّب على كتاب حول المفكر اليميني ريمون آرون، مشيداً به لا لأنه كان ضد ثقافة القوة أو ايديولوجيا القوة، بل لأنه ضد "ديانة القوة" التي في نظره اعتنقها أو استحدثها أدولف هتلر، كما لو أنه ليس العاشق التوراتي للدم. لاحظنا قهقهاته وهو يرى الكلاب تأكل الجثث، باعتبار أن هذا "ما يستحقه الموتى وما يستحقه الأحياء"...

بأسى، ووسط هذا الزلزال الدموي، وقد تحولت غزة الى ركام، بل والى مقبرة (مقبرة لكل شيء)، ما زالت بعض الأقلام العربية تتحدث عن "القصور في الرؤية" لدى من خططوا وأمروا بتنفيذ عملية طوفان الأقصى، لأنهم لم يتوقعوا ردة الفعل تلك، وكان يفترض أن يعلموا أنهم يلقون بطوق النجاة لزعيم الليكود، الذي كان على وشك السقوط أمام قوس المحكمة.

الفجيعة فوق التصور، هي حقاً فجيعة القرن، لكن ما فعله الفلسطينيون الذي يقاتلون حتى الرصاصة الأخيرة، وحتى الشهقة الأخيرة، أنهم حطموا ما تبقى من أسطورة القوة التي لا تقهر. في صيف 1982 قال آرييل شارون لأوريانا فالاتشي "جنرالاتنا يعلمون أن أي خطوة الى الوراء تعني بداية النهاية". كم خطوة الى الوراء في لبنان... وكم خطوة الى الوراء في غزة؟

أين هي العملية الصاعقة بعد أكثر من 5 أشهر على بدء العملية العسكرية، وبما أوتي "الاسرائيليون" من قوة (أميركية)؟ هنا لا جنرالات ببطون منتفخة، كما بصدور مدججة بالأوسمة. مقاتلون لا يملكون سوى هياكلهم العظمية. قوتهم في عبقرية التراب الذي خرجوا منه.

الأميركيون أنفسهم الذين طالما رأوا في "اسرائيل" مطرقتهم الحديدية ضد أي صوت يرتفع في الشرق الأوسط، يقرّون أن "اسرائيل" ما قبل 7 تشرين الأول غير "اسرائيل" الآن. ثمة شيء انكسر. ما حدث أن بنيامن نتنياهو تقمص شخصية الفوهرر في اعتناق "ديانة القوة". ديانة "يهوه" لا ديانة الله في أي حال. لنقرأ ما كتبه البحاثة حول كمية العنف في كل من التوراة والانجيل والقرآن، وحتى في "التيبيكاتا" لدى البوذيين و "البهاغافادغيتا" لدى الهندوس.

كثيراً ما تساءلنا اذا كانت هناك الحالة العربية أو الحالة الفلسطينية، لتلقف وتوظيف ما حدث حتى في المجال الديبلوماسي. الكل في مكان آخر. لا شيء يجمعنا سوى التسكع على أبواب الأباطرة. لا حالة هناك سوى الحالة الأميركية، بالفقاعات الديبلوماسية التي لا تظهر الا بين النيران لتخمد حالما تخمد النيران.

ولكن أين هي الحالة الأميركية حين تعجز الأمبراطورية (أعظم أمبراطورية في التاريخ) عن اقناع نتنياهو بوقف النار خلال شهر رمضان، مثلما كان يفعل العرب في الأشهر الحرم حتى ابان الجاهلية؟

لا أحد معنا. الروس مثلنا لا دور لهم سوى التنديد اللغوي والفولكلوري. الصينيون وراء الباب بانتظار أن يعرفوا لمن تفتح أسواق الشرق الأوسط.

ديانة القوة ديانة "يهوه" مثلما هي ديانة الفوهرر. هذا ما تقوله النصوص وما تقوله الوقائع. هل من أحد يعلم أين هي جثة زعيم الرايخ الثالث؟ ذات يوم لا بد أن نسأل... أين هيِ جثة بنيامين نتنياهو؟