اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


حصل الرد الإيراني الموعود على استهداف العدو الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد قادة من الحرس الثوري. لعل حجم الإستهداف يُدلِّل على حجم الرد بالمنطق الطبيعي للأمور، فمن اللحظة الأولى للإعتداء الصهيوني للحظة الرد الإيراني، عاش "الإسرائيلي" أصعب لحظات الترقّب والإنتظار في تاريخه، ومن يُدقِّق بها لا يُبالغ عندما يقول إنها لربما كادت أن تكون أقسى من الرد نفسه...

رغم التسليم "الإسرائيلي" بالضربة الإيرانية، إلا أن المشكلة كانت بعدم معرفة زمانها ومكانها، فاستنفر العدو داخلياً وخارجياً، وتوقّع الكثير من السيناريوهات إلا سيناريو الرد الذي حصل لم يتوقّعه. فبالإعتراف والتعبير الصهيوني وضعت إيران الكيان كلّه تحت النار، شلّت الحركة في كل أنحائه، أصابت قاعدة نيفاتيم الجوية حيث انطلقت منها طائرات إف 35 التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، أطلقت صواريخها ومسيّراتها من كل اتجاه، فأحدثت إرباكاً شاملاً لدى قيادة العدو، ووضعت الكيان كلّه بموقف غير مسبوق تاريخياً...

تُعتبر ليلة الرابع عشر من نيسان تاريخاً مفصلياً في الصراع، لدرجة مقارنتها بـالسابع من تشرين لناحية الحدث والأهمية، وأن ما قبلها ليس كما بعدها. صحيح أن ١٤ نيسان يُعتبر أقل أهمية من ٧ تشرين لناحية الخسائر، إلا أنه أكثر أهمية بالبُعد الإستراتيجي لجهة فتح جبهة إيرانية مباشرة مع الكيان، وهذا بمثابة عامل استراتيجي جديد. فالإيراني فرض قواعد جديدة وهزّ صورة "إسرائيل" التي تضرّرت قدرتها كثيراً على الردع، فأرست طهران معادلة توازن وردع جديدة.

تخاف "تل أبيب" من أن تُثبِّت طهران قاعدة الرد في عمق الكيان دون أن تلقى الرد، بوقت تعجز عن تنفيذه بعد أن ثبّتت الضربة الإيرانية فكرة هشاشة "إسرائيل" دون الدعم الأميركي بالدرجة الأولى والدولي بالدرجة الثانية، اللذين شكّلا عاملاً ضاغطاً ومانعاً لها من توجيه ضربة على الأراضي الإيرانية، فباتت "إسرائيل" أمام خياريْن:

- الأول: مضطرة لتأجيل الرد.

- الثاني: لن يكون هناك رد أصلاً.

مع العلم أن في هذه الحالات لا يُمكن الجزم، فصحيح أنه لن يكون هناك رد على إيران مباشرة، لكن هذا لا يعني أنهم لن يفكّروا بعملية في المستقبل أو برد غير مُعلَن، كي لا يُثبِّتوا القاعدة الإيرانية الجديدة. لذا انتهى اجتماع مجلس وزراء الحرب دون اتخاذ قرار بشأن كيفية الرد على الهجوم الإيراني، وأكثر من ذلك قال الوزير في مجلس الحرب بني غانتس إن إيران ستدفع الثمن بالشكل والوقت المناسبين لـ "إسرائيل".

طغت حفلة المزايدات على المشهد الصهيوني، الجميع يُزايد على الجميع، ولا أحد يريد إظهار نفسه بموقف ضعف، فحمّل غانتس وإيزنكوت اللذان كانا يريدان رداً عاجلاً وسريعاً، وحمّلا نتنياهو وأميركا المسؤولية بالوقوف بوجه هذا الإجراء. وكذلك بن غفير واليمين المتطرّف في الحكومة،يأخذون دائماً المواقف المتشددة للمزايدة على رئيس الحكومة، إلا أنه لا يوجد لديهم نيّة التصعيد داخل حكومة نتنياهو. أما الجيش فهو في هذه الحالة لا يمتلك قراراً إنما يُنفّذ القرار السياسي. وفيما يتعلق بالمستوطنين فهُم دائماً يتبنّون خيار الرد، لكن الحكومة فقدت ثقتهم، خاصة وأن هذه الضربة تُعتبر الثانية التي تهز ثقة الرأي العام أكثر بالأمن والجيش والحكومة، إذا لم تتدارك الوضع وتأخذ القرار الذي يُرضي المستوطنين ويُطمئنهم، بعد استهداف واسع بهذا الشكل.

إذاً، بضربة واحدة تَقدَّم الإيراني على "الإسرائيلي" بجرأة لا يمتلكها العدو، فهو استطاع توجيه ضربة قوية وأصاب الأهداف ولم يحسب حساباً لأحد، بالإضافة الى أنه سيتعامل معها كقاعدة ويَبني عليها سلوكاً إيرانياً محدّداً. كما أنه بضربة واحدة أيضاً، استطاعت طهران تثبيت فكرة سيادة الدولة، ودفعت "إسرائيل"لطرح أسئلة تُقلقها على الأغلب في المرحلة الجديدة:

- إذا قررت "إسرائيل"استهداف الإمكانيات البشرية الإيرانية في سوريا، هل سترد إيران بنفس الطريقة؟ بمعنى القاعدة التي أرستها ستشمل هذا النوع من الإستهدافات؟ سؤال يتزامن مع قلق "إسرائيلي" أحدثته هذه الضربة...

- هل ستشمل قاعدة هذه الضربة، استهداف المنشآت الإيرانية في سوريا مثلاً؟ بمعنى هل ستضع حداً للإعتداءات الإسرائيلية؟

أسئلة "إسرائيلية" مشروعة بعد أن حققت الضربة أهدافها ووضعت قواعد جديدة، إلا أن الأسئلة الأهم من أصحاب الحق، من الشعب الفلسطيني، من أهل غزة وكل جبهات الإسناد، ومن كل مَن تعتدي عليه "إسرائيل" ويقاومها، والتي بدأت وستستمر في المرحلة المقبلة، ألا وهي: ما هو مدى انعكاس ما حصل على المعركة في غزة؟ باعتبار أنه حتى اللحظة الجواب غير واضح. وهل الذي فعلته طهران سيُعجّل بإنهاء العدوان على القطاع؟... أسئلة تجيب عنها تطورات الأيام المقبلة... فلننتظر...

الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية