اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 لندخل أكثر فأكثر في الموزاييك الداخلي، الموزاييك العجائبي : لبنان بين فلسطين و "اسرائيل"، بين أميركا وايران، بين القومية العربية والقومية اللبنانية، بين العتابا والميجانا والسلام عليكم ورحمة الله، بين الحداثة وتورا بورا، بين هونغ كونغ وهانوي، بين الكازينو والدولة، بين المدني والطوائفي، بين المسيحيين والمسلمين، بين السنة والشيعة، بين الغيتو وحارة كل مين ايدو الو، بين سراويل القناصل وعباءات الأنبياء (الجدد)، بين المنظومة السياسية والمقبرة. بعد حين بين طريق الحرير الصيني وطريق الأفاويه الهندي...

الأخضر الابراهيمي كان يقول ان "مقاربة الأزمة اللبنانية أقرب ما يكون الى التزلج على النار أو على الهواء". الغريب أن أكثرية الساسة في لبنان يعرفون أنهم يدورون في حلقة مفرغة. بالرغم من ذلك يصرون على الدوران في هذه الحلقة. أحد سفراء "اللجنة الخماسية" قال لنا:" نحن الخمسة بالكاد كنا نعثر على ذلك السياسي، الذي يحاول البحث في زوايا الأزمة عن مفتاح هذه الأزمة".

 منذ القرن التاسع عشر، سلّمنا حتى مفاتيح بيوتنا الى القناصل. مثلما استقبلنا ياسر عرفات بالزغاريد على أنه صلاح الدين الأيوبي، استقبلنا آرييل شارون بالزغاريد على أنه قسطنطين الأكبر. وكنا نستقبل بالتهليل أبي بكر البغدادي بالرايات السوداء.

 هكذا لنبقى ضحايا التشابك الدولي والاقليمي. ولكن لنتذكر أننا جزء من ذلك الشرق الأوسط، الذي قال هنري كيسنجر انه يقع على خط الآلهة، ما دام مأخوذاً بالايديولوجيات. الايديولوجات المجنونة، كما لو أنها ليست صناعة أميركية.

 كيسنجر اياه الذي رأى أن أزمة الشرق الأوسط ولدت مع الله وتموت مع الله. وحدنا في هذه المنطقة نحمل على ظهورنا أثقال الأنبياء، وهي أثقال الغيب. مجتمعات من دون أفق، ودول من دون أفق، ما دام الأميركيون يصنعون عروشنا ويصنعون رؤوسنا، تماماً مثلما يصنعون أطباق الهوت دوغ.

لا شيء في الأجندة الأميركية الخاصة بالمنطقة سوى "اسرائيل"، التي جعلتها الحرب في غزة عارية، عارية تماماً. الديبلوماسي المخضرم ديفيد آرون ميلر رأى أن "أميركا هي التي سقطت في غزة". هذا الواقع أدركه جو بايدن ، ولكن عبثاً حاول ايصال هذه الرسالة الى بنيامين نتياهو ، الذي كل ما يعنيه البقاء على عرش داود. دونالد ترامب وعد باستكمال عملية تسويق "ميثاق ابراهيم". لا بأس أن تتدحرج جماجمنا على بلاط جهنم.

لعلها لحظة سريالية حين نتحدث عن الأزمة الأميركية ـ أزمة النظام ـ المؤرخ كاسل آندرسون، المعادي للعنصرية، قال "مشكلتنا في كوننا لم نعد ننتج الآلهة. بالكاد ننتج أنصاف الآلهة "، ملاحظاً أن العناكب ومن وراء الزجاج، هي التي تقود أميركا. للتو ثار عليه "الحاخامات"، أباطرة الدولة العميقة...

 كنا نشكو من ان أزمة الشرق الأوسط بكل ويلاتها وبكل "أصابع الشيطان"، ترخي بظلالها على الأزمة اللبنانية (دائماً رؤوسنا مؤجرة للآخرين فقط لصراعاتنا الداخلية). الآن، لكأن أزمة أميركا أزمتنا. من نختار دونالد ترامب أم كامالا هاريس ؟ السذاجة تصل بنا في الموزاييك العجائبي، الى حد الرهان على هذا أو على تلك، مع أن الأميركيين ولو مشوا على خطى الملائكة، يطبقون على أرواحنا.

 جو بولتون كان يقول بصفاقته المعهودة " مكانهم كحيوانات ضالة في الجزء الخلفي من الحظيرة". هكذا أستبقي العالم العربي بأسره، في الجزء الخلفي من الحظيرة.

 ذات يوم قال فينا يوري لوبراني، منسق الشؤون "الاسرائيلية" في لبنان ابان الاحتلال، "هؤلاء حملة الخناجر". خناجر بشرية، وليس فقط شظايا طائفية وشظايا قبلية، ضد بعضها بعضا. ذاك التشكيل الفسيفسائي المترامي كان يمكن أن يكون المدخل الفذ الى الحياة، جعلناه بأيدينا المدخل الى الموت.

... لتبقى أزمتنا ضائعة على أرصفة الأمم !!

 

الأكثر قراءة

محور المقاومة يقر اهداف الرد الدقيق بانتظار «ساعة الصفر»؟ نصرالله يربح الحرب النفسية والضربة الاستباقية تقسم «اسرائيل» اخفاق ألماني في «دوزنة الردود» ولندن تخشى الانزلاق الى الحرب