اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا سبيل للمقارنة بين أدولف هتلر وبنيامين نتنياهو. زعيم الرايخ الثالث الآتي من ذلك التراث الفذ، وكانت بلاده مصنعاً للعباقرة في الفلسفة وفي الأدب وفي الموسيقى وفي العلم. كان في التاسعة والعشرين ولاحظ الى أي مدى اهينت ألمانيا وجنرالات ألمانيا، حين وقعوا على وثيقة الاستسلام عام 1918.

ثم ماذا فعل الفوهرر أكثر مما فعله نابليون بونابرت أو شارلمان أو كل قياصرة روما، وحتى كل ملوك القارة الذين كان يحكمهم ذلك الهاجس الفرويدي بالاستيلاء على الممالك الأخرى وعلى الأمم الأخرى؟

من هو بنيامين نتنياهو، بالايديولوجيا التي ترعرعت بين القبور، وبين أنبياء الدم والكراهية، وازالة الآخر (كنقيض كلي للمسيحية)؟ وما هي "اسرائيل" التي أنشئت لتكون قاعدة للاستعمار بوجهيه القديم والجديد، بالرؤية الوحشية للعالم؟

قطعاً ليس بمواصفات الأمبراطور، وانما بمواصفات أولئك القتلة الذين يتسللون من ثقب ما في جهنم، لا من ثقب ما في التاريخ. ثم ما هي "اسرائيل" لولا المظلة الأميركية بذلك التشكيل الفسيفسائي (السريالي)، الذي لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة لدى أي اهتزاز في ايديولوجيا القوة؟

ندرك أن وراءه المؤسسة اليهودية، التي مثلما تمكنت من اختراق الأدمغة، اخترقت المجتمعات واخترقت الثقافات، والأكثر اختراق القوى العظمى بقيادة الولايات المتحدة، التي أشد هولاً من أن تكون الظاهرة النيونازية، ليس فقط بالاستيلاء على ثروات أو على اسواق الأمم ، الاستيلاء على أزمنة الأمم. وها أن المفكرين الأميركيين يبدون خشيتهم من نشوء أو ظهور أمبراطوريات أخرى تهدد دورهم وتهدد مصالحهم، مع تزايد لافت في التفاعلات الجيولوجية العاصفة بين الأجناس وبين الاتنيات، وحتى بين الرؤى السياسية والاستراتيجية.

هكذا يجر نتنياهو الحصان الأميركي. وهكذا يجر العديد من قادة أوروبا، بعدما التحقت ألمانيا في عهد أولاف شولتس، بالحرملك الأميركي، وكذلك فرنسا برئاسة ايمانويل ماكرون الذي كاد يعود ببلاده الى أجواء الجمهورية الرابعة، التي لولا شارل ديغول لسقطت في نيران الحرب الأهلية.

أميركا التي خلعت عشرات العروش في سائر أصقاع الدنيا، كيف لنا أن نصدق أنها عاجزة عن ازاحة ما وصفها ادغار موران بـ"أوليغارشيا الذئاب". لكنه التداخل، بل والتماهي بين العقل السياسي الأميركي والعقل السياسي "الاسرائيلي"، ما بدا واضحاً في كيفية تعامل الكونغرس مع كلمة نتنياهو، لكأنها كلمة الملك داود.

ولكن حتى الأميركيون استشعروا في ضوء ما حدث وما يحدث على أرض غزة، أن الدولة العبرية بيت العنكبوت، ولم تكن لتصمد بالترسانة العسكرية الهائلة أمام مقاتلين لا يحملون سوى البنادق وسوى مدافع الهاون، بل كادت أن تسقط، أو هي سقطت فعلاً، بالرغم من الامدادات العسكرية الأميركية التي كانت تصل اليها يومياً. ايضاً الاحداثيات الاستخباراتية التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية، أو وسائل الرصد والتجسس الأخرى.

الآراء التي تظهر على صفحات "هاآرتس" تعكس حدة الأزمة البنيوية، الأزمة الوجودية في "اسرائيل"، بفعل تلك القيادة التي تجاوزت حتى جنون كاليغولا وحتى جنون هولاكو، بدعوى أنها تمشي على خطى "يهوه"، الذي تقول الميتولوجيا العبرية انه كان يرشق من كهفه السابلة بالحجارة. ما قالت به التوراة يتم تنفيذه بأهالي غزة. لكن الفلسطينيين لم يتزعزعوا ، في قبورهم لم يتزعزعوا. "الاسرائيليون" سواء كانوا في الأبراج العالية أم في الملاجئ يحزمون حقائبهم استعداداً للعودة من حيث أتوا.

لم يعد نتنياهو، للبقاء على عرشه، يقود "اسرائيل" الى النهاية. انه يقود الشرق الأوسط بل والعالم الى النهاية. الادارة الأميركية، في ذروة صراع انتخابي ضروس، يبدون في حالة من البارانويا. لا فارق هنا بين ضباع واشنطن وضباع أورشليم.

روغيل آلفر كتب في "هاآرتس" عن رجل يسعى الى تفجير حرب عالمية، "انه يهدد الأمن الدولي، وقد قدم نفسه في الكابيتول على أنه من يحمي الغرب من الاسلام". استطراداً هو من يحمي أميركا لا العكس. كلنا ندرك ما نهاية حاكم مجنون ، نهاية دولة مجنونة...

الأكثر قراءة

ساعات مفصليّة : وقف النار أو اشتعالها... ضغوط على حماس للإنضمام للمفاوضات وزير الخارجيّة الفرنسي في بيروت... والحكومة والأحزاب أنجزت خطة الطوارئ