اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بدءا من لبنان الذي، شئنا أم أبينا، مصيره رهن بمصير سوريا، والعكس بالعكس.  سعيد تقي الدين كتب عن "الواو الكافرة بين لبنان وسوريا"، دون أن تكون الصدفة وراء التقاطع بين التراجيديا اللبنانية والتراجيديا السورية، لنصل الى قول مايك بومبيو لبعض الشخصيات اللبنانية "مستقبل بلدكم في أورشليم لا في دمشق". على صورة راقصات الهيكل رفعوا له كؤوس الشامبانيا.

أخطاء كثيرة أرتكبت ولا تزال هنا، وأخطاء كثيرة أرتكبت ولا تزال هناك.  هذا ما تريده "اسرائيل" التي يعنيها أن يرتفع جدار الجليد بين لبنان وسوريا، مقابل ارتفاع جبل النار بينها وبين لبنان.  الأميركيون يريدون للبلدين الشقيقين فتح الحدود مع الدولة العبرية، والا الاختناق ، وربما اعادة تركيب الخريطة.

ليست المسألة في "ديكتاتورية" النظام السوري في منطقة تزدهر فيها جمهوريات أفلاطون، لا التوتاليتاريات القبلية.  المسألة تقطيع الأوصال السورية، لأن حافظ الأسد لم يذهب الى أورشليم سيراً على الأقدام كما توقع اسحق شامير، وقد ذهب أنور السادات اليها على بساط الريح.

الخفايا بدأت تتكشف يوماً بعد يوم.  ديبلوماسي أردني كان شقيقه يشغل موقعاً أمنياً كبيراً، كشف عن لقاءات عقدت في الأردن في الأشهر التي سبقت اندلاع الأزمة السورية، بين ممثلين عن "الاخوان المسلمين" في سوريا ومسؤولين "اسرائيليين" وأتراك، اضافة الى ممثل لاحدى الدول العربية، التي تخصصت في حقائب المال (وأحياناً كان يشارك ديبلوماسي أميركي)، لوضع السيناريوات الخاصة بوصول "الاخوان" الى قصر الشعب.

اذ أخفقت كل تلك السيناريوات التي أدت الى تشتيت ملايين السوريين، والى تفريغ بيوتهم من كل أسباب البقاء، باستثناء أولئك الذين انتفخت بطونهم دون أي اعتبار لأنين الضحايا، لا يمكن لسوريا أن تتحول الى محظية أن لدى الأعداء أو لدى الحلفاء، وان كان جلياً أن الاحتقان الاقتصادي، وبالتالي الاحتقان الاجتماعي، بلغ حدوداً بالغة الحساسية دون أن تظهر بارقة ضوء في نهاية النفق.

هل يمكن الرهان وسوريا بين المخالب الأميركية والمخالب "الاسرائيلية" ؟ على تطور فعال وواسع النطاق في العلاقات بين دمشق والرياض، بعدما لاحظنا كيف تحول الاحتفال باعادة فتح السفارة السعودية في سوريا الى مهرجان، مع اشاعة أجواء من التفاؤل أحدثتها توقعات وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، بالاضافة الى تصريحات سعودية حول تفعيل التعاون الاقتصادي بين البلدين، الأمر الذي قد تحيط به عوائق كثيرة بالنظر لدقة المشهد الاقليمي، ببعديه الأميركي و"الاسرائيلي".

على غرار سائر الملفات الكبرى في المنطقة.  كل شيء ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.  ولكن ألا تشي مؤشرات الأسابيع، وحتى الأشهر الأخيرة بأن الأمير محمد بن سلمان الذي يدرك تداعيات أي انفجار اقليمي على بلاده، يتجه الى ترميم البيت العربي.  هذا ما تناهى الينا من زميل مقرب من قصر اليمامة، على الأقل لتشكيل تلك الحالة التي تساعد على احتواء أي احتمالات أي كان نوعها.  الآن خطوات في اتجاه لبنان، وخطوات في اتجاه سوريا.  البلدان المتلازمان في التاريخ، بالتالي في الأزمة وفي الحل، ولكن الى أين يمكن أن تصل ؟

من الطبيعي الترحيب بكل مسعى للحد من تبعثر وتعثر المسار العربي العام.  نعلم ألا مجال البتة الآن للذهاب بعيداً في التفاؤل، أن في ظل الضبابية أو في ظل الفوضى الدولية الراهنة.  ولكن المهم هو الحيلولة حتى دون انهيار الستاتيكو الحالي بكل سلبياته، بل وبكل مساوئه، الى ما هو اشد سؤاً بكثير.

لكنه الحصار، ودون أن تكترث أي ادارة أميركية منذ قيام "اسرائيل" وحتى اليوم، لأي اعتراض عربي على سياساتها، أو لأي اختراق عربي لهذه السياسات، وهذا يبدو الآن شديد الوضوح في غزة، حين يفاخر الأميركيون أن باستطاعتهم أن يرصدوا بوسائلهم التقنية الهائلة، رصد ما يحدث حتى في العالم الآخر، دون أن يروا عشرات آلاف الجثث على أرض القطاع.

لا فك للحصار على سوريا، ولا تهاون مع أي دولة عربية تحاول الاقتراب من الخط الأحمر.  لكننا هنا أمام السعودية كأمبراطورية مالية، وهذا التوصيف لوكالة "بلومبرغ".  هي ليست الجهة التي تضغط بالسلاح، لكنها حتماً الجهة التي تستطيع الضغط بالمال، دون أن نطلب أكثر من اخراج سوريا ولبنان بطبيعة الحال، لا من قعر الزجاجة وانما من قعر جهنم...

الأكثر قراءة

لا حرب شاملة والتهديدات لرفع معنويات الداخل «الاسرائيلي» وتماسكه