اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

مثلما هذا وقت الموت المرّ (ليحيا الآخرون فوق جثثنا)، هو وقت الحقيقة المرّة. لقد آن الأوان لنخلع أقنعتنا، وحتى لنخلع وجوهنا. الرئيس الايراني مسعود بزشكيان اكتشف (ربما في لحظة تجلّي") ان حزب الله غير قادر أن يخوض بمفرده المواجهة مع "اسرائيل".

لن نسأل أين ايران، وهي قائدة المحور التي كانت مع سوريا، عضدنا في اجتثاث الأقدام الهمجية من أرضنا، والتي دأبت على اطلاق المواقف النارية، حتى لتحسب أن "اسرائيل" قد تزول من الوجود، وتزول معها أميركا بين لحظة وأخرى، ولن نسأل أين سوريا التي تعيش بين الأنقاض، ولا أين العراق الذي لا نعرف أين يضع قدميه وأين يضع رأسه، ولا أين اليمن الذي يصرخ (ويصورخ) عبثاً، بكبرياء الحفاة في هذه الأودية السحيقة؟

أم ترانا نسأل أين هي روسيا، المنهكة مثلنا، والتي جعلتنا نواجه "الميراج" في حرب 1967 بالطنابر الطائرة، دون أن تتجرأ على تزويد سوريا أو ايران بالمنظومات الجوية الدفاعية، أو اين الصين التي كل ما يعنيها أن تبقى الأسواق مشرعة أمام منتجاتها، ولو كانت اسواق جهنم، دون أي اعتبار استراتيجي أو أخلاقي؟

غريب أن يصدر ذلك الكلام عن بزشكيان، وفي أكثر الأوقات التباساً. المفارقة هنا أن الأميركيين ومعهم "الاسرائيليين"، يعتبرون أن ايران وراء عملية طوفان الأقصى بكل ما أحدثته على الأرض، لوقف مسيرة التطبيع بين "اسرائيل" والسعودية، وما يعنيه ذلك عربياً واسلامياً وحتى دولياً، وأنها هي من دعت الى الاسناد، دون أن نرى صواريخها كما الصواريخ اليمنية تدق، ولا نقول تدك أبواب "تل أبيب".

اذاً، نقاتل ونقتل وحدنا. نحن الذين ابتلينا بمنظومة سياسية، ما زالت تجرنا وبالعصا على الرأس الى الهاوية، حتى ونحن نواجه بالدم برابرة القرن الذين تمكن المقاتلون، بالأداء الأسطوري في غزة، من تعريتهم حتى أمام من أوجدوهم، ومن أمدوهم بكل أسباب الحياة، وان بعشرات آلاف الضحايا الذين سقطوا بالنيران الأميركية، لسنتذكر القول ان أميركا هي النسخة المعاصرة عن القضاء والقدر، حتى إن بعض رجالها يفاخرون علناً بأنهم انتزعوا، عنوة الكثير من صلاحيات الله.

لنستذكر أيضاً أن رجالنا الذين دحروا الاحتلال، هم أنفسهم الذين أرسوا معادلة توازن الرعب عند الخط الأزرق، بالرغم من كل الخناجر التي في الخاصرة. أولئك الذين ما زالوا على خطى مايك بومبيو في أن الطريق الى الخلاص، هو الطريق الذي يفضي الى أورشليم لا الى دمشق.

الايرانيون يدركون ما تأثير "القوة الضاربة" لدى حزب الله في اللعبة الاستراتيجية، سواء "الاسرائيلية" أم الأميركية في الشرق الأوسط، لتنشأ تلك الحالة التي حدت من الذوبان في الدور الأميركي والدور "الاسرائيلي"، وحيث بدا الأوروبيون بذلك التاريخ الأمبراطوري، حيناً قهرمانات الهيكل، وحيناً قهرمانات الكابيتول.

بزشكيان هو من قال ان الحزب يواجه دولة ، قال دولة "تدافع عنها وتدعمها وتغذيها، الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة" (يا صديقنا يكفي أن تقول الدول الغربية). ألا يعني ذلك أن الحزب الذي يقول معارضوه، لولاه لما كان هناك أي دور جيوستراتيجي لايران في المنطقة، يواجه وحيداً مخالب الأخطبوط "الاسرائيلي".

سيدة مثقفة وشاعرة اتصلت بي لتقول في تعليق على كلام بزشكيان في الأمم المتحدة "هل هو ملزم بالقتال الى جانبنا، فيما الدول العربية تقف مكتوفة الأيدي ؟". يا سيدتي نحن من اختار أن نكون في هذا المحور الذي تقف ضده كل الدول العربية، سواء الحليفة لأميركا أم التي اختارت سياسة اليد الممدودة الى الدولة العبرية.

هذه هي حال دولنا التي ما زالت أو استبقيت تحت خط الزمن، لنصل يوما ما الى التطواف، حفاة الرأس وحفاة القدمين، حول الهيكل. هذا ما حدث فعلاً. لم تعد الذريعة التفلت من الصراع العبثي، وانما حفاظاً على العروش التي لم تكن لتبقى لولا المعطف الأميركي.

لماذا لا نرى كلام بزكشيان من الزاوية الأخرى، وان كان الحزب ليس بحاجة الى الشهادة من أحد، بأنه ليس الأداة لهذه الجهة أو تلك. هو ظاهرة لبنانية، ومن أجل لبنان. لعل ذلك يسهم في لمّ شمل اللبنانيين في وجه من قال بتغيير الشرق الأوسط، ومن البوابة ومن الخريطة اللبنانية، بدل أن يراهن كل طرف أن تكون نتيجة الحرب لمصلحته دون مصالح الآخرين.

انه وقت الموت المرّ والحقيقة (بل والحقائق) المرّة...

الأكثر قراءة

إذا نزل حزب الله تحت الأرض