اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في بلدة رياق، حيث التقى الحزن بالأمل، تجلت قصة عائلة همدر كأنها قصيدة مفعمة بالألم، تعزفها أنفاس الحياة في زمن الحرب مع «اسرائيل». ففي ظهيرة يوم مشؤوم، تغيرت الحياة بشكل مأساوي عندما استهدفت غارة «إسرائيلية» المكان الذي كان يزدهر فيه الضحك واللعب. هناك، في تلك اللحظة انطفأت شعلة صغيرة، وكان اسمها علي.

علي: زهرة تنمو وسط الجراح

علي، الذي كان قلب العائلة، لم يكن مجرد طفل، بل كان روحا نابضة بالحياة. كان يملأ المكان بضحكاته البريئة، يجلب الفرح لكل من حوله. كانت عائلته تسعى لتأمين له بيئة مليئة بالأمان والحب، لكن الحرب كانت لها حسابات أخرى. لقد انقضت تلك الغارة كالعاصفة، مستهدفة أحلامه وتطلعاته.

حينما سقطت القذيفة، لم يكن علي وحيدا، فقد كان أخوه حيدر بجانبه، يشهد على تلك الفاجعة، بينما كان يتألم في العناية الفائقة. الأخت حنان ذات العينين البريئتين، كانت تشاهد كل شيء من بعيد، تحمل في قلبها عبء الفقد، بينما يواجه والده فراس الألم الذي لا يمكن وصفه.

الأم: نرجس سيف الدين ملاك الرحمة

نرجس، تلك المرأة القوية، رئيسة قسم الطوارئ في مستشفى رياق. تعطي من جهدها ووقتها لمن يحتاج إليها، لكن قلبها كان ينزف. لقد اختارت أن تبقى، متحدية الخوف لتكون إلى جانب المصابين والجرحى، لم تفكر يوما أن ابنها سيكون من بينهم. وعندما استقبلت علي، كان الألم في عينيها يجسد معركة لا تُحكى.

أعادت إليه الذكريات الجميلة، لكنها لم تستطع إنقاذه. سقطت دمعة من عينيها، لتسقط على جسده، وكأنها تعتذر له عن كل ما عجزت عن فعله. رحل علي تاركا في قلبها فراغا لا يمكن ملؤه، بينما كانت تحاول أن تكون قوية لأجل حيدر وحنان.

الحزن في أعماق القلوب

كل زاوية من زوايا المنزل كانت تتنفس الألم. كيف يمكن لعائلة أن تتجاوز هذه الفاجعة؟ كيف يمكن لحيدر الذي يعاني من جروحه، أن يتقبل فكرة فقدان شقيقه؟ كيف يمكن لحنان أن تعيش في عالم بلا أخ؟ والحياة تستمر، لكن الحياة هنا تتوقف، وتُنسج من خيوط الذكريات.

فالأقارب والأصدقاء جاءوا ليواسوا، لكن الكلمات لم تكن كافية. «لا توجد كلمات تعبر عن الحزن الذي يعتصر قلوبنا»، كانت تلك العبارة تتردد في كل جلسة تعزية. لقد فقدوا جزءا من قلوبهم، وتركوا فراغا يملؤه الصمت.

نداء الأمل

لكن رغم كل ما سبق، يبقى هناك شعاع من الأمل. في قلب نرجس تتوهج رغبة في الاستمرار، في تقديم العون لمن يحتاجون. تعهدت أن تبقى، وأن تواصل مسيرتها في رعاية الجرحى، مستلهمة من ذكرى علي. «علي لن يعود، لكن ذكراه ستظل حية في قلبي»، كانت تقول لنفسها.

في وسط الألم، ولدت إرادة البقاء. ستستمر نرجس في رسم الابتسامة على وجوه الآخرين، لتكون لهم يد العون في زمن الشدائد. هذا الألم لن يكون عبئا عليها، بل سيكون دافعا لتجسيد حبها وعطاءها.

الشهداء وعائلاتهم

في لبنان، ليس علي هو الوحيد الذي سقط. كل يوم يرتفع عدد الشهداء، وكل واحد منهم يحمل قصة فريدة. عائلات بأكملها تعيش فصول الألم والفقد، وتحمل في صدورها حكايات مؤلمة لا تُنسى. الأبناء الذين رحلوا، والآباء الذين فقدوا، والزوجات اللواتي غاب عنهن شريك الحياة، جميعهم يعيشون في ظلال الذكريات.

فكل شهيد هو رمز للصمود، لكل واحد منهم تاريخ وأحلام، وعائلات تتوق للعودة إلى الحياة التي كانت قبل أن تُظلم. لكن في هذه الظلمة تشرق قناديل الأمل، تبقى ذكراهم حية، وتظل أرواحهم تحلق في سماء لبنان، تشهد على شجاعة وكرامة الذين قاوموا.

لذا، عندما نذكر علي، يجب أن نتذكر جميع الشهداء. هم طيف لا يزول، وعائلاتهم تعيش في قلوبنا. من خلالهم، نحن نعيد بناء الأمل، ونسعى نحو مستقبل يليق بتضحياتهم. نحن هنا لنواصل الرحلة، ولنكتب قصة جديدة من الحب والعطاء، رغم كل الألم.