اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

مع تصاعد حدة الحرب بين حزب الله والعدو الاسرائيلي، يعيش الأطفال في لبنان فصولاً من الرعب والدمار، حيث يتحول يومهم من اللعب والبراءة إلى مشاهد القصف والنزوح. الحرب لا تترك لهم مجالاً للأمان، فقد باتوا ضحايا للعنف والنزاعات المستمرة، ما يطرح تساؤلات عميقة حول مصير هذا الجيل.

كيف تؤثر هذه الحرب في نفسية الأطفال الذين يحرمون من الاستقرار والتعليم؟ وكيف يتحمل المجتمع اللبناني تداعيات هذه الأزمة على المدى البعيد؟ وما مدى تأثير هذه المعاناة اليومية في العائلات التي تجد نفسها مشتتة ومشرّدة؟

تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «خطر»

في تقريرها الأخير، اكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، بأن حرب لبنان الحالية تقتل طفلاً واحداً على الأقل كل يوم، وتؤدي إلى إصابة عشرة أطفال آخرين منذ بدء العمليات في الرابع من تشرين الأول الفائت. وتشير المنظمة إلى ان آلاف الأطفال الذين نجوا جسدياً من القصف، لكنهم يعانون الآن من اضطرابات نفسية جراء مشاهد العنف المستمرة. هذه الأرقام تعكس واقعا مؤلما، حيث يكابد أكثر من نصف الأطفال المتأثرين من صدمات نفسية، قد تتطلب رعاية متخصصة في المستقبل.

وبناء على كل ما تقدم، تتوقع التقارير أن هؤلاء الأطفال الذين كانوا بالأمس يأملون في بدء عام دراسي جديد، يجدون أنفسهم اليوم في خيام متهالكة وسط بيروت وساحة الشهداء، مفترشين الطرقات. حيث يوجد في وسط بيروت ما يقارب 3500 نازح، اغلبهم تحت سن الثماني سنوات.

ومع بدء العام الدراسي في 4 تشرين الثاني الحالي، بعد تأخير طويل بسبب إشغال أكثر من 1100 مدرسة كمراكز إيواء للنازحين، شهد القطاع الخاص انطلاقة مبكرة مقارنة بالقطاع العام، مما يضيف تحدياً نفسياً على الأطفال النازحين، إذ يشعرون بتفاوت التعليم والتحصيل الدراسي مقارنةً بأقرانهم.

يعيش هؤلاء الأطفال المهجرون خارج بيئتهم، ويقاسون من انعدام الأمان، ويواجهون نقصاً في الموارد الأساسية، ما يجعلهم عرضة للانهيار النفسي.

موجات التهجير القسري من الجنوب الى بعلبك

في سياق متصل بالتهجير والحرب العنيفة المشتعلة، لم تتوقف مأساة الأطفال الذين تركوا الضاحية الجنوبية لبيروت أو البلدات القريبة من الشريط الحدودي، بل امتدت لتشمل مدينة بعلبك التاريخية، حيث غادر أكثر من 70% من السكان خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب القصف «الإسرائيلي»، وأوامر الإخلاء التي تستهدف مستشفيات ومدارس ومعالم تاريخية. يتسبب هذا التهجير الاجباري في تفكيك العائلات وابعاد الأطفال عن مناطقهم الاصلية، مما يعكس الأثر العميق الذي يتعرض له المجتمع اللبناني، ويفرض واقعاً مؤلماً على العائلات التي تجد نفسها مشتتة وقلقة على مستقبل عيالها.

خيط رفيع لانهيار المجتمع!

في هذا المجال، يؤكد خبراء في نقابة الاختصاصين الاجتماعيين والنفسانيين لـ «الديار» أن «الانتقال وتفكك العائلات لهما تأثيرات نفسية عميقة في الأطفال، حيث يعاني هؤلاء من فقدان الشعور بالأمان، والتوتر الناجم عن الحياة في ظروف غير مستقرة».

وقد ذكر «اتحاد حماية الاحداث» ان «هناك 21 طفلاً خسروا ذويهم وأصبحوا يتامى، والاعداد مرشحة للارتفاع، لا سيما بعد تصاعد وتيرة المواجهات العسكرية على امتداد مساحة الوطن. ويشير الخبراء، الى ان هؤلاء الأطفال الى جانب آخرين يواجهون مستقبلاً غامضاً، ما يهدد بزعزعة بنيتهم النفسية، بالإضافة الى ان هذا التمزق الأسري والتشرد، قد يؤدي إلى نشوء جيل يعاني من اضطرابات الهوية والانطوائية، مما يزيد من احتمالية تراجع بنية المجتمع اللبناني مستقبلاً».

بدورها، توضح الاختصاصية في علم النفس والاجتماع غنوة يونس لـ «الديار» أن «هذه الحرب لا تضر فقط بالأطفال، بل تهدد أيضاً بتدمير بنية المجتمع اللبناني بأسره. اذ ان أطفال لبنان اليوم هم ضحايا صامتون للحرب، وسيبقى هذا التأثير يتراكم على مدار السنوات. وفي هذا الإطار، تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من ضغوطات نفسية قد يتعرضون لصعوبات في الاندماج ضمن المجتمع مستقبلًا، مما يزيد من تحدياتهم في الحياة اليومية».

تحديات المؤسسات الإنسانية

من جانبه، يقول أحد الخبراء في شؤون الطفولة لـ «الديار»: «نحن نواجه خطراً حقيقياً على مستوى الصحة النفسية للمجتمع اللبناني ككل، حيث يعيش هذا الجيل الجديد تحت وطأة التهجير والخوف، مما يعني انه سيواجه تحديات هائلة في العودة إلى الحياة الطبيعية والتكيف مع المجتمع، مما يتطلب جهوداً كبيرة من المؤسسات الإنسانية لإعادة تأهيله نفسياً واجتماعياً». ويشدد على «أهمية توفير برامج الدعم النفسي للأطفال النازحين، لضمان عدم تفشي مشكلات الصحة النفسية على المدى البعيد».

بالموازاة، توضح يونس أنه «عندما يُقتل الأطفال بأعداد كبيرة، سواء في لبنان أو غزة، فإن لذلك عواقب وخيمة على بنية المجتمع ومستقبله، وفقاً لما يشير اليه علم الاجتماع والديموغرافيا. إذ يرون أن فقدان عدد كبير من الأطفال يعني خسارة جيل كامل يمكن أن يكون له دور حيوي في بناء المجتمع وتنميته. لذا، فان هذا الاستنزاف المستمر في الأرواح الصغيرة لا يؤثر فقط في التوازن السكاني، بل يزعزع كذلك القاعدة البشرية التي يعتمد عليها أي مجتمع لضمان استمراره ونموه الطبيعي».

وخلال جولة على مركز إيواء في مدرسة شكيب ارسلان في فردان، قال الطفل مهدي البالغ من العمر 10 سنوات ل «الديار»: «كنت ألعب مع أصدقائي كل يوم في الحي، لكن بعد التهجير خسرت الكثير منهم. أستيقظ أحيانا في الليل وأشعر بالخوف لأنني أفتقدهم، واحزن كثيرا كلما تذكرتهم. أريد أن أعود إلى بيتي وألعب مع أولاد الجيران كما كنت أفعل سابقا. لكن الآن، كل ما أراه هو الخيام والأصوات العالية، بدلا من رؤية أصدقاء لي في المدرسة والبلدة».

اما الطفلة سارة، التي تبلغ من العمر 9 سنوات، فتعبر عن مشاعرها بحزن شديد قائلة: «هجرت عائلتي من منزلنا بسبب الحرب، كنت أحب الذهاب إلى المدرسة ولعب الكرة مع أختي. الآن، لا أستطيع الالتقاء بأصدقائي الذين كانوا معي. كل يوم، اراقب الأطفال وهم يلعبون مع بعضهم بعضا، ومع ذلك أشعر بالوحدة. أريد أن أعود إلى مدرستي القديمة حيث كانت هناك ضحكات وألعاب».

مما لا شك فيه ان هذه الشهادات توضح التأثير النفسي العميق في الأطفال جراء التهجير وفقدان الأصدقاء، مما يعكس الواقع المأسوي الذي يعيشه هؤلاء الصغار.

هيكلية المجتمع «تتصدّع»!

من جهته، يؤكد دكتور متخصص في علم الديموغرافيا من الجامعة اللبنانية لـ «الديار» ان «هذا الفقدان الكبير في الفئة العمرية الأصغر، يؤدي إلى اضطرابات في النسيج الاجتماعي، حيث يصبح من الصعب تعويض الخسائر على المدى الطويل. اذ ان الأطفال الذين يسقطون ضحايا للحروب والنزاعات، يُعتبرون مستقبلاً مشرقاً كان يمكن أن يُثمر إنجازات ويحقق استقراراً للمجتمع. ومع تراجع أعداد الأطفال بفعل النزاعات، تتزايد الضغوط النفسية والاجتماعية على العائلات التي فقدت أبناءها، مما يُسهم في تعزيز مشاعر الحزن والغضب والاستياء، وقد يؤجج مشاعر الانتقام التي توطد استمرار دائرة العنف مستقبلاً». 

الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية