اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تدمير للحجر والبشر، وخسائر بالمليارات طالت الإقتصاد والمالية العامة والممتلكات الخاصة. هذا هو نتاج العدوان المُستمرّ على لبنان منذ ما يُقارب الشهرين.

وتُشير التحاليل إلى أن العدو يفرض حصارا إنتقائيا جوا وبحرا وبرا على لبنان، أدّى إلى خسائر إقتصادية غير مباشرة تجاوزت الستّة مليارات دولار أميركي، ومُرشّحة للإرتفاع مع الوقت.

كذلك الأمر بالنسبة إلى المالية العامة التي تضرّرت بشكلٍ كبير، حيث أن الإيرادات التي حدّدتها موازنة العام 2024 (بحدود الـ 3.4 مليار دولار أميركي) لن تكون على الموعد مع تراجع أكيد لمداخيل الدولة من الضرائب على النشاط الإقتصادي.

وكذلك الأمر بالنسبة لمشروع قانون موازنة العام 2025 الذي لم تعد أرقامه صالحة، لا بل يُمكن القول أن إيرادات العام 2025 (المُقدّرة بـ 4.6 مليار دولار أميركي) لن تتحقّق في ظل أي سيناريو سواء كان تفاؤليا أو تشاؤميا، يتعلّق بمصير الحرب.

كل هذا الضغطّ على الإقتصاد اللبناني وعلى المالية العامّة، وضعه بعض المُحلّلين السياسيين في خانة إخضاع القرار السياسي اللبناني.

أكثر من ذلك، شكّل وضع لبنان على اللائحة الرمادية ضغطا إضافيا على لبنان – حتى لو لم يتمّ لمس التداعيات حتى الساعة – من باب التحاويل المالية والتجارة مع الخارج والتي قد تتأثر بحسب عِدّة آليات لن ندخل في تفاصليها في إطار هذا المقال.

المخاوف من أن يؤدّي هذا الضغّط إلى التأثير على إحتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، خصوصا أن السياسة الإقتصادية منذ العام 2023، إعتمدت على دولرة التعاملات التجارية الداخلية، وهو ما سمح للسياسة النقدية بسحب الليرات من السوق – مُستعينةً بالأداة الضريبية – وبالتالي المُحافظة على سعر صرف شبه مُستقرّ.

خلال شهر تشرين الأول الماضي، أخذ مصرف لبنان قرارا بدفع ثلاثة أشهر للمستفيدين من التعاميم 158 و166 ، وتمّ تمويل هذه الدفعات بجزء من إحتياطات المصرف المركزي ، بحكم أن ما تبقى منها هي أموال المودعين وهي تُعطى للمودعين.

وفي شهر تشرين الثاني أعاد المصرف المركزي الكرّة، ولكــن بشهرين فقط بدل ثلاثة أشهر. وهو ما أدّى إلى خفض الإحتياط بقيمة تُقارب الـ 400 مليون دولار أميــركي.

مصدر المخاوف ينبع من فكرة أن النظام المالي والنقدي الحالي القائم في لبنان يعتمد بدرجة أساسية على الكتلة النقدية بالدولار الأميركي المتواجدة في السوق اللبناني. وإذا ما تمّ التضييق على حركة دخول الأموال بالعملة الصعبة إلى لبنان، فإن ذلك سيدّفع المصرف المركزي إلى إتخاذ خطّوة من إثنتين:

أولًا : إمّا إستخدام الإحتياطي الإلزامي لتمويل نفقات الدولة، خصوصا أجور وإستيراد القطاع العام، بحسب قــانون الموازنة العامة، وهو ما يعنــي المسّ بهذا الإحتيــاط.

ثانيًا : وإمّا العودّة إلى إستخدام الليرة اللبنانية في دفع أجور القطاع العام، وإقراض الدولة بالليرة اللبنانية (عملا بالمواد 88 و89 من قانون النقد والتسليف وقانون موازنة العام 2025) وهو ما يعني زيادة الطلب على الدولار الأميركي في السوق وزعزة الإستقرار النقدي الذي سيكون له تداعيات إجتماعية كبيرة وإستطرادا زعزعة إضافية في المالية العامة.

مصرف لبنان لا يستطيع طبع الدولار الأميركي، وبالتالي لا يُمكن للحكومة اللبنانية رؤيته كمصدر وحيد للتمويل، بــل يتوجّب عليها إعادة لبنان إلى كنف النظام المالي العالمي، من خلال البدء بتطبيق الإصلاحات التي يُطالب بها صندوق النقد الدولي (مع الإصرار على عدم تحرير سعر الصرف بالكامل حاليا) ومن خلال عزلّ لبنان عن الصراعات الإقليمية.

الجدير ذكره أن هذين المطلبين هما ما طالب بهما البيان الصادر عن وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي في إجتماع لهم في أيلول من العام 2020، عندما تمّ تكليف السفير مصطفى أديب تشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة الرئيس حسان دياب.

صعوبة القيام حاليا بهذه الخطوات تنبع من الإنقسام السياسي الكبير بين القوى السياسية، ومن تفكّك القرار السياسي الرسمي مع حكومة تصريف أعمال قسم من أعضائها لا يحضرون الإجتماعات، وفي ظلّ شغور المنصب الأول في الجمهورية أي رئيس الجمهورية.

إمكانية القيام بالإصلاحات الإقتصادية وعزل لبنان عن الصراعات الإقليمية، هو أمرٌ مُمكنٌ في ظل إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة تأخذ ثقتها من المجلس النيابي. إلا أنه وبحسب العديد من المُحلّلين السياسيين هناك شبه إستحالة أمام المجلس الحالي من إنتخاب رئيس للجمهورية. فهل يكون الحلّ بإنتخابات نيابية مُبكرة؟ عمليا ما يّهم بالدرجة الأولى هو وقف العدوان ، وذلك من باب الإتفاق على وقف إطلاق النار.

وهنا يكمّن الإنقسام الداخلي حيث أن إنتخاب رئيس للجمهورية – مُكلّف بحسب الدستور التفاوض بإسم لبنان – عاد ليخضع لمعادلة “معنا أو ضدّنا” ، وبالتالي هناك إستنتاج واضح بأن المجلس النيابي الحالي عاجز بحكم تركيبته على إنتخاب رئيس للجمهــورية.

مُشكلة الترابط العضوي بين الإقتصاد والسياسية، يأتي من منطلق حصرية القرارات التنظيمية الإقتصادية بيد السلطة السياسية، وهو ما يعني أنه وفي ظلّ إستمرار الأزمة السياسية، لن يكون هناك من حلّ للمشاكل الإقتصادية والمالية وإستطرادا النقدية التي قد تؤثّر على لبنان من باب النقد ، السلاح الأكثر ضررا على الشعوب بعد السلاح. فهل نشهدّ ضغوطات نقدية تؤدّي إلى التأثير على القرار السياسي، من خلال الإنتقال إلى مستويات أعلى من التضييق على تدفّق حركة العملة الصعبة إلى السوق اللبناني؟ التاريخ كفيل بالإجابة عن هذا السؤال. إلا أن الأكيد أنه وبإنتظار تصاعد الدخان الأبيض السياسي، سيبقى المواطن وهيكلية الدولة ومؤسساتها رهينة همجية العدوان ورهينة عجز السلطة على إتخاذ القرارات التي تخدم الصالح العام.

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين