اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أدّت إعادة إنتخاب الرئيس دونالد ترامب لولاية ثانية إلى دفع كبير بقيمة الدولار الأميركي مُقابل كل العملات في الأسواق المالية. هذا الأمر يُمكن مُلاحظته من خلال مؤشر الدولار الأميركي (DXY) الذي إرتفع من مستوى مئة وثلاث نقاط إلى أكثر من مئة وسبع نقاط ونصف في أخر إقفال الأسبوع الماضي، ليُسجّل بذلك أعلى مستوى له منذ شهر تشرين الأول وتشرين الثاني من العام 2022.

تاريخيًا، ما يؤثّر بالدرجة الأولى على قيمة الدولار هي السياسات الداخلية في الولايات المُتحدة الأميركية وبنسبة أقلّ بكثير السياسات الخارجية. من هنا أتت وعود الرئيس دونالد ترامب الإقتصادية إبّان الحملة الإنتخابية لتدّفع بقيمة الدولار خصوصًا أن الأسواق رأت في هذه الوعود أمالًا كبيرة في دفع الإقتصاد الأميركي سواء من باب الإستثمارات أو من باب القوانين التحفيزية أو من باب خفض العجز وإستطرادًا لجم الدين العام الأميركي الذي يُشكّل مُشكلة للعالم أجّمع بنفس القدر للداخل الأميركي. هذا الإرتفاع في الدولار الأميركي له تداعيات كثيرة سواء داخليًا في الولايات المُتحدة الأميركية أو على الإقتصاد العالمي كما يُظهره التحليل التالي:

التداعيات على الإقتصاد الأميركي

أولى التداعيات هي على الميزان التجاري الأميركي حيث أن قوّة الدولار الأميركي تُخفّف من التصدير وتزيد الإستيراد، وبالتالي سيكون التأثير سلبي. أمّا على صعيد السياحة التي تُعتير نوعًا من أنواع التصدير (للخدمات)، فإن القطاع السياحي سيشهد إنخفاضًا في المداخيل نتيجة إرتفاع الكلفة على السواح (غير الأميركيين)، وستزيد السياحة الخارجية حيث سيجد الأميركيون كلفتها تنخفض بحكم قوة الدولار الأميركي.

أيضًا وبحكم أن العديد من الشركات المُتعدّدة الجنسيات هي أميركية، سيؤدّي الدولار القوي إلى خفض أرباح الشركات الأميركية في الخارج، لكن الشركات الأميركية العاملة في الداخل الأميركي ستُحسّن من أرباحها بحكم خفض كلفة الإستيراد عليها.

أمّا في الشق الإيجابي للتداعيات، فإن إنخفاض كلفة الإستيراد، ستؤدّي إلى خفض التضخمّ بحكم خفض تكلفة السلع المستوردة وبالتالي تقليل الضغوط التضخمية. كما أن الدولار القوي يجذب رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة إلى الأسواق المالية الأمريكية المعروفة ناريخيًا أنها المصدر الأول للتمويل للشركات.

التداعيات على الإقتصادات الناشئة

أول المُتضرّرين من قوة الدولار الأميركي هي الإقتصادات الناشئة التي عليها ديون مُقوّمة بالدولار الأميركي، حيث أن كلفة خدمة الدين العام ستزيد عليها بحكم ضعف عملتها مُقابل الدولار. هذا الأمر قد يؤدّي إلى ضغوط مالية كبيرة على المالية العامة وقد يؤدّي في بعض الحالات إلى تعثّر حكومات هذه الدول. أيضًا وبحكم تردّي الوضع المالي في هذه الإقتصادات وسعي المُستثمرين لعوائد على الإستثمارات أعلى، ستشهد هذه الأسواق هروبًا لرؤوس الأموال مما يُضعّف أكثر هيكلية إقتصادات هذه الدول.

أيضًا من الأضرار الناتجة عن قوّة الدولار الأميركي، زيادة التضخّم في الدول التي تضعف عملاتها مُقابل الدولار الأميركي من باب زيادة كلفة الإستيراد وإرتفاع كلفة السلع الأساسية مثل النفط والمعادن المُقوّمة بالدولار الأميركي.

هذا الأمر سيؤدّي حتمًا إلى تراجع النمو الإقتصادي في هذه الدول وسيؤدّي إلى صعوبات مالية كبيرة على صعيد موازنات حكومات هذه الدول.

التداعيات على إقتصاد الإتحاد الأوروبي

إرتفاع مؤشّر الدولار الأميركي يعني ضعفًا في قيمة اليورو خصوصًا أن ثقل اليورو في المؤشر تُقارب الـ 58% من إجمالي قيمة المؤشر. هذا الأمر سيؤدّي حكمًا إلى رفع الصادرات الأوروبية إلى الولايات المُتحدة الأميركية ويُخفّض الإستيراد، كما أن كلفة الإستيراد إجمالًا ستكون أعلى على الإقتصاد الأوروبي بحكم ضعف اليورو مُقابل الدولار الأميركي المُستخدم كعملة تقويم للسلع الأساسية. هذا الإرتفاع في كلفة الإستيراد سيؤدّي إلى تضخّم مُستورد وهو ما يعني إحتمال رفع الفائدة أو اقّله تخفيف وتيرة خفضها. مما يعني ضرب نمو الإقتصاد الأوروبي الذي سيشهد حكمًا هروبًا لرؤوس الأموال.

التداعيات على لبنان

تداعيات إرتفاع قيمة الدولار الأميركي على الإقتصاد اللبناني مُعقدّة بحكم خصوصية الإقتصاد اللبناني الذي يعتمد بشكل أساسي على الإستيراد ولكن أيضًا بسبب دولرة الإقتصاد، وأزمة القطاع المصرفي، وتعثّر الحكومة عن دفع دينها، والتهريب على الحدود...

أولى التحدّيات تطال الكتلة النقدية بالدولار الأميركي الموجودة في السوق اللبناني. فبحكم دولرة الإقتصاد، هناك إحتمال أن ترتفع قيمة الإستيراد بحكم تحسّن القوة الشرائية. في المُقابل سيكون هناك إنخفاض في التصدير بحكم إرتفاع الكلفة على الشركات الأجنبية التي تستورد البضائع اللبنانية. هذا الأمر يعني زيادة الضغوط على على الكتلة النقدية بالدولار الأميركي الموجودة في السوق اللبناني وإستطرادًا زيادة الضغوط على إحتياطات مصرف لبنان من العملة الصعبة وبالتالي على قدرته على الإستمرار في تأمين الإستقرار النقدي. بالطبع هذا الأمر يستوجب إجراءات جمركية خاصّة من قبل الحكومة اللبنانية للجم جنوح الإستيراد.

هذا الواقع سيزداد سوءًا حكمًا مع إستمرار الوضع المأساوي نتيجة العدوان الإسرائيلي ونتيجة تآكل هيكلية السلطات في بلد فيه شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال وإنقسام عامودي بين القوى السياسية. ولكن الأصعب، هو المخاوف من تراجع قيمة تحاويل المُغتربين التي أصبح لبنان يعتمد عليها بشكل كبير، وذلك نتيجة الظروف الإقتصادية العالمية التي تواكب إرتفاع الدولار الأميركي.

ويبقى السؤال عن شرعية الحكومة والمصرف المركزي على الإستمرار في إعتماد سعر صرف سحوبات بقيمة 15000 ليرة لبنانية للدولار الواحد في حين أن هذا الأخير يتحسّن مُقابل العملات الأخرى. كما يُطرح السؤال عن الإجراءات التي يتوجب أخذها لمنع تآكل قيمة الودائع بالليرة اللبنانية.

إن تعاظم قوة الدولار الأميركي مُقابل العملات الأخرى، يزيد من التحديات المالية من باب تعميق الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تواجه المواطن اللبناني يوميًا. وإذا كانت تحاويل المُغتربين تُشكّل رافدًا أساسيًا لصمود الشعب والإقتصاد في هذا الوقت العصيب، إلا أن أن هشاشة الاقتصاد اللبناني تجعل من تعاظم قوة الدولار الأميركي مصدرًا لتزايد حدة الأزمات في لبنان في الوقت الذي يتعرّض فيه لعدوان يُدمّر الأخضر واليابس.

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين