هكذا تتدرج استراتيجية التفاهة لدى الادارة الأميركية. الآن أبواب وزارة المالية موصدة في وجه "حزب الله" وحلفائه. الخطوة التالية لا وزراء للحزب وحلفائه، ثم لا تمثيل في المجلس النيابي. لعل الخطوة الأخيرة لا وجود للحزب وحلفائه على الأرض اللبنانية.
الى أين يمكن أن يصل هذا الهذيان حين يتقاطع، يوم الثلاثاء، الجنون الأميركي مع الجنون الاسرائيلي. الأوروبيون نبهونا "لسوف ترون العجائب في زمن دونالد ترامب". سبق وسألنا هل هو الأمبراطور أم الغانغستر؟
منذ البداية توعد بنيامين نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط. كان يعلم أن المعسكر الغربي كله يقف الى جانبه، وقد لاحظنا ردة الفعل على اختراق غلاف غزة، كما لو أن العملية حدثت في منهاتن في نيويورك، أو في البكاديلي في لندن، أو في الشانزليزيه في باريس، أو عند بوابة براندنبرغ في برلين. وكان أن بدأت المذبحة في غزة. لم يرف جفن للقوى العظمى، حتى اذا ما اندلعت التظاهرات في الجامعات الأميركية أمام أهوال (وأنهار) الدم، اقيلت رئيسات الجامعات، وهدد الأثرياء بوقف الدعم. هكذايموت القلب في أميركا!
أين هي غزة الآن ؟ لا أثر للمدينة، ولا اثر للمخيمات. ماذا بامكان حركة "حماس" أن تفعل لايواء أكثر من مليون مشرد. المال ليس مشروطاً فقط بمد اليد الى اسرائيل، وانما بازالة أي أثر، حتى في اللاوعي، لذلك الشيء الذي يدعى "الدولة الفلسطينية". الادارة الأميركية تراهن الآن على ثورة أهل القطاع على الحركة، كذلك الرهان على أن يثور أهل الجنوب على "حزب الله" (ماذا فعلت بنا )؟
لكن ما ظهر يوم الأحد الفائت حين راح الجنوبيون يواجهون الميركافا، وهم يحملون الرايات الصفراء، أثبت أن المقاومة هي الأرض، وهي الناس. واضح أن الاسرائيليين يريدون الكثير من لبنان. يعلمون مدى حدة الواقع اللبناني، ورهانهم، في اي لحظة على الانفجار. القاذفات ما زالت عل جهوزيتها للذهاب بالضحايا الى ما بعد. ما بعد، جهنم. عميحاي الياهو دعا الى انهاء "كل الطفيليات التي تحدق بنا بالصدمات النووية".
منذ البداية سألنا ما اذا كانت المقاومة تستمد شرعيتها من الحقيبة الوزارية أو من المقعد النيابي، أو من البيان الوزاري الذي ما أن يتلى أمام النواب حتى يلقى به الى الفئران. أي حكومة منذ الاستقلال وحتى اليوم، نفذت ما ورد في بيانها. عهد الرئيس فؤاد شهاب علامة فارقة في تاريخ الجمهورية، واندثرت للتو. الوزير فؤاد بطرس، وكان أحد أركان العهد الشهابي، بالقامة العالية، وبالرقي الأخلاقي والثقافي، قال لنا "لكأن الحكومات عندنا تتشكل لتفريغ الدولة من محتواها". أين نحن الآن؟ وهل كان الفساد قصراً على وزارة المالية دون سائر الوزارات الأخرى. الوزير ميشال ادة خشي أن يقول "السياسي عندها يولد ليكون فاسداًً" !
انها الضربة الأميركية. الخوف من الضربات اللاحقة. بطبيعة الحال هناك من يهلل، وبدافع البروباغندا لا أكثر. ترانا نتوقع تظاهرة ليلية أبضاً ولكن بنوع آخر من الموتوسيكلات؟ الاحصاءات تؤكد أن حركة "أمل" و"حزب الله" يستقطبان الغالبية الشيعية. ثمة بعيدون أو مبعدون أو مستبعدون، وثمة معادون. هل كل شيعي معاد للحزب أو للحركة بعيد عن الأوبئة التي تعصف بالبنية السوسولوجية، وبالبنية السوسيوتاريخية، للمجتمع اللبناني؟
وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو اختزل المشهد بالقول "الخبر السار في الشرق الأوسط هو أنه لدينا حكومة في لبنان نأمل أن تصبح أكثر قوة من حزب الله"، معتبراً أن ما حدث "فتح الأبواب لأشياء مثل الاتفاق بين المملكة العربية السعودية واسرائيل، والذي من شأنه تغيير ديناميكية المنطقة". روبيو ليس معنيأ بالجثث التي تناثرت في العراء، أو تحت الأنقاض. دولة أقوى من "حزب الله" وأضعف من اسرائيل، استكمالاً للنظرة الفلسفية الأميركية للشرق الأوسط. لولا النفط لما كان هناك الشرق الأوسط. ألهذا زرعت "القنبلة التوراتية" في الخاصرة، لتبقى الدول العربية على حد السكين؟
روبيو استدرك "هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به. لا شيء من هذا مؤكد. ولكن هناك فرصاً حقيقية لم نكن لنتخيلها قبل 90 يوماً". من يدين للآخر في هذه الحال... أميركا أم اسرائيل؟ كتبنا الكثير ليس فقط عن التداخل الاستراتيجي بين الجانبين. ايضاً عن التداخل الايديولوجي. كل من يدخل الى المكتب البيضاوي يفترض أم يكون نصف أميركي ونصف اسرائيلي. صحيفة "اسرائيل اليوم" أبدت تخوفها من أن يكون دونالد ترامب أميركياً "أكثر من اللزوم".
انه الشرق الأوسط بتضاريسه اللاهوتية والتاريخية. هنري كيسنجر لاحظ أن أزمة المنطقة ولدت مع الله وتموت مع الله. ما تبتغيه اسرائيل هو المستحيل. ازالة أي أثر للفلسطينيين. المفكر الاسرائيلي، وصاحب المؤلفات الهامة، يوفال نوح هراري رأى أن ما فعله نتنياهو في لعبة الدم أنه "أيقظ الفلسطينيين من قبورهم".
لبنانياً. الخطيئة الأميركية المميتة. هل يتصور الأميركيون أن بوسعهم وضع اليد على لبنان، أو سوقه الى الهيكل، بملاحقتهم للمقاومة وحلفائها ؟ تذكير لمن يعنيهم الأمر. الجنرال ديفيد برترايوس قال بعد الخروج من أفغانستان "انها ساعة الاغتسال من الوحول". وقال "لقد اصبحنا أكثر فهماً للعالم". لم يقل لا نزال أقل فهماً للشرق الأوسط... !!
يتم قراءة الآن
-
لهذه الأسباب... أورتاغوس ألغت زيارتها الى بيروت
-
ماذا يريد نتنياهو من لبنان؟
-
خلافات أميركية فرنسية بشأن بقاء «اسرائيل» بالنقاط الـ 5 في الجنوب «مكانك راوح» وغموض يحيط باجتماعات سلام... هل نضجت الطبخة؟ التحرك الشعبي متواصل جنوباً والغارات وصلت الى وادي خالد وجنتا؟
-
"إسرائيل" تشكك بانتشار الجيش اللبناني جنوباً وتطالب بكشف هويّة أفراده!
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
21:31
وزير الخارجية الأميركي: عملنا مستمر لضمان الإفراج عن جميع الاسرى الذين لا تزال حماس تحتجزهم
-
21:14
البيت الأبيض: السيسي أكد أن قيادة ترمب تبشر بعصر ذهبي للسلام بالشرق الأوسط
-
21:13
الخارجية السودانية: مقتل أكثر من 60 شخصا نتيجة قصف مليشيا الدعم السريع لسوق في أم درمان
-
21:12
محمود عباس: مستعدون للعمل مع الدول الشقيقة والصديقة لتسـريع إعادة إعمار غزة وربطها بالضفة الغربية
-
21:12
إعلام العدو: الإعلان عن اختيار إيال زمير رئيسا جديدا للأركان خلفا لهرتسي هاليفي خلال ساعات
-
19:59
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: نتنياهو يتوجه إلى أميركا غدا للقاء ترامب