الديبلوماسي المخضرم ريتشارد هاس، وهو يهودي ليبرالي، يرى أن استراتيجية الغباء التي انتهجها الائتلاف الحالي في اسرائيل جعلت هذا السؤال يطرح بين جدران البيت الأبيض "لمن الشرق الأوسط... لدونالد ترامب أم لبنيامين نتنياهو؟".
الرئيس الأميركي هو سليل "ثقافة الالدورادو"، أي الطريق الى الذهب الذي اجتذب الكاوبوي، وغالباً وحيداً، على حصانه، باتجاه الغرب الأميركي. في هذه الحال، لا بد من التساؤل ماذا يقدم الاسرائيليون، وماذا يقدم العرب، للولايات المتحدة ؟ الاجابة شديدة الوضوح. الاسرائيليون يقدمون خدمات عسكرية بأموال أميركية، وبأسلحة أميركية، وأحياناً بأرواح أميركية، مقابل حماية الولايات المتحدة لتفوقهم وحتى لوجودهم، اذا ما أغفلنا التعاون التكنولوجي كتأشيرة دخول الى المستقبل.
العرب يقدمون كل شيء تقريباً. أراضيهم، وثرواتهم، واستثماراتهم، وحتى عروشهم، ولكن لتبقي دولنا خارج جدلية الأزمنة. منذ الخمسينات من القرن الفائت، والماكنة شغالة في انتاج الصراعات القبلية، والصراعات الطائفية، تزامناً مع انقلابات عسكرية حلت فيها الخوذات محل الرؤوس، ليبقى العرب، بامكاناتهم الهائلة، رهائن في قبضة القرون الوسطى، دون أي خيط يربطهم بالزمن التكنولوجي.
لا وجود للعرب لا في العقل الأميركي ولا في الأجندة الأميركية، ما دامت اسرائيل هي "الوديعة الالهية". لاحظنا ذلك على الأقل في الاحتواء النازي للتظاهرات الاحتجاجية في الجامعات الكبرى على الأداء الدموي للجيش الاسرائيلي في غزة. رئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي التي أرغمت على الاستقالة قالت "حتى تلك اللحظة، كنت أعتقد انني أميركية، ولا شيء آخر، الى أن اكتشفت أن عليّ أن أكون اسرائيلية لأكون أميركية".
بطبيعة الحال، هذه هي أميركا، وهذه هي اسرائيل، ولا مجال للرهان على انهيار العلاقات بينهما. لكن الثابت أن الدولة العبرية التي مهمتها ضبط الايقاع الاستراتيجي في المنطقة تركت لرئيس حكومتها تفجير هذا الايقاع لحسابه الشخصي. الرجل وصل، في أدائه الدونكيشوتي الى حد القفز فوق البيت الأبيض (في عهد جو بايدن، وفي عهد باراك أوباما)، واستقطب أكثرية أعضاء الكونغرس الذين صفقوا له أكثر مما صفقوا لفرنكلين روزفلت، الخارج منتصراً من الحرب العالمية الثانية!
لا بأس أن تنتفخ اسرائيل، كقوة عسكرية ضاربة، ولكن بوجود مايسترو مثل اسحق رابين، ومثل شمعون بيريز، يعرف ما هي أميركا، وما هي اسرائيل، لا أن يكون المايسترو على شاكلة زعيم الليكود الذي يريد هو تغيير الشرق الأوسط، دون أن يدرك أن هذه المنطقة جزء من "الحالة الأميركية". أي تغيير فيها يفترض أن يكون بخطة أميركية ولحسابات أميركية، حتى إن القوى الاقليمية، المصابة باللوثة الأمبراطورية، وبالتمدد الجيوسياسي، انما تعمل داخل الحلبة الأميركية.
ترامب لم يكن يعارض حروباً مبرمجة (وفق نظرية "حرائق الغابات") لاستئناف دومينو التطبيع، لا حروباً مجنونة الغاية منها تثبيت نتنياهو على عرش داود، ما أدى الى تخريب الخطة الأميركية، واستدعى رداً عاصفاً من المملكة العربية السعودية، كدولة مركزية ومؤثرة، التي اشترطت، للتطبيع، اقامة دولة فلسطينية، وحتى انشاء مفاعل نووي، لا بدافع انتاج القنبلة النووية، وانما بدافع انتاج أجيال نووية، وهذا ما يثير الهلع في اسرائيل التي دمرت المجمع النووي العراقي، في حزيران 1981، وضغطت لتفكيك البرنامج النووي الليبي، وها هي تحاول حمل الولايات المتحدة اما على تفكيك البرنامج الايراني أو على تدميره.
الآن دونالد ترامب، بالكوفية والعقال، في السعودية والامارات وقطر، دون اسرائيل، لكأن السكين اقتربت من عنق نتنياهو، بعد صدمة اتفاق واشنطن مع "أنصار الله" في صنعاء على وقف التعرض للسفن الأميركية، والذي أعقب سلسلة من الغارات الجوية الهائلة، وبتكلفة باهظة، دون أن تؤثر على الأرض. كذلك بعد صدمة المفاوضات المباشرة مع حركة "حماس" لأن الحرب ضدها، وبعد تلك الأشهر الطويلة من القتل والتدمير المنهجي، والوحشي، لم يأت باي نتيجة، ودون أي تصور لليوم التالي سوى التلويح بالترحيل الذي، اذا ما حدث، يؤدي الى التقويض الأوتوماتيكي لأنظمة حليفة، مع ما لذلك من تداعيات كارثية على المصالح الأميركية في المنطقة.
بعد كل هذا، ومع انطلاق المفاوضات الأميركية ـ الايرانية، وكلام ستيفن ويتكوف، في الضوء والظل، عن تفاؤله بنهاية سعيدة لها. ثمة من يتساءل "... ومتى المفاوضات بين أميركا وحزب الله؟". الاجابة لدى سفير احدى دول اللجنة الخماسية "هذا يتعلق بالمسار الذي تأخذه تلك المفاوضات"، ما يعني أن المواقف الاسرائيلية الضاغطة التي تتقاطع مع مواقف قوى داخلية، هي من قبيل الاثارة التكتيكية، ودائماً في خدمة نتنياهو الذي من مصلحته ابقاء الوضع اللبناني على صفيح ساخن.
في رأي هاس ان ترامب "اللاستراتيجي" يلعب ببراعة لاقامة نوع من التوازن السريالي بين القوى الأساسية في المنطقة. ومن هذه النقطة بالذات تركيزه على العلاقة المفتوحة مع ايران.
في التعليقات الأميركية والاسرائيلية على السواء. ترامب تجاوز نتنياهو بكثير. قد لا يسقطه بالضربة القاضية. يبقيه ليلعب برأسه مثلما يلعب برؤوس أخرى...
يتم قراءة الآن
-
معالم الردّ على ورقة برّاك تتبلور... وحزب الله سلّم موقفه إجهاض مُحاصرة «الثنائي» انتخابياً... والمواجهة مفتوحة الأمن العام فكّك خليّة لتنظيم «داعش» تتعاون مع «الموساد»؟!
-
الهجوم على مدرسة» شارل ديغول»: هجوم على «الجسور»؟ أم لإخراج سوريا من هذا الكوكب؟
-
هل انكسرت الجرة بين "التيّار الوطني الحر" وحزب الله؟
-
"كرة ثلج" الفساد تَكبُر: وزراء جدد الى التحقيق بعد سلام
الأكثر قراءة
-
حسين السلامة بين التطبيع والتصفية: لماذا اختارت تل أبيب قصف قلب دمشق؟
-
المخرج للسلاح بالتوافق بين عون وبري وقاسم وسلام بري لصحافيين :وليد جنبلاط أقرب سياسي لي زعيم المختارة يرفض عزل حزب الله و"الدق" برئيس المجلس
-
المفتي دريان يجتمع مع الشرع السبت... ماذا على الطاولة؟ عريمط لـ "الديار": أهل السنّة في لبنان ليسوا بحاجة لحماية من أحد أياً كان!
عاجل 24/7
-
00:08
الحكمة يفوز على بيروت بنتيجة 78-77 ويتأهل إلى نهائي "ديكاتلون" بطولة لبنان لكرة السلة
-
23:37
القاضية دورا الخازن قررت توقيف رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان الخوري في ملف المقامرة الإلكترونية بتهم الفساد وتبييض الأموال
-
23:36
٤ دقائق على انتهاء المباراة بين فريق الحكمة وبيروت وتقدم للحكمة ب ٩ نقاط
-
22:13
برلماني إيراني بلجنة الأمن القومي: سنخصب اليورانيوم بقدر الحاجة ومن دون شروط
-
22:05
تمشيط بالأسلحة الرشاشة للجيش الإسرائيلي من موقع الراهب باتجاه أطراف عيتا الشعب جنوبي لبنان
-
22:04
تمشيط بالأسلحة الرشاشة للجيش الإسرائيلي من موقع الراهب باتجاه أطراف عيتا الشعب جنوبي لبنان
