اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لطالما ارتبط عصير الفاكهة الطبيعي في أذهان الناس بالصحة والنقاء، فهو يُستخلص من الفاكهة الطازجة دون إضافات صناعية أو سكريات مكررة، ويُنظر إليه كبديل صحي للمشروبات الغازية والمصنعة. غير أن الدراسات العلمية الحديثة بدأت تطرح تساؤلات جدّية حول ما إذا كان عصير الفاكهة الطبيعي بالفعل خيارًا آمنًا، خصوصًا بالنسبة لمرضى السكري أو أولئك المعرضين للإصابة به.

رغم أن العصائر الطبيعية تحتوي على فيتامينات ومضادات أكسدة، إلا أن ما يُغفل غالبًا هو تركيز السكر العالي فيها، حتى دون إضافة سكر خارجي. فعند عصر الفاكهة، يتم فصلها عن أليافها الغذائية، وهي الألياف التي تلعب دورًا محوريًا في إبطاء امتصاص السكر في الدم. ونتيجة لذلك، فإن شرب كوب من عصير البرتقال مثلًا يؤدي إلى ارتفاع سريع في مستويات الغلوكوز، وهو ما يُشبه إلى حد كبير تأثير شرب الصودا أو تناول الحلوى.

هذا الارتفاع المفاجئ في سكر الدم قد لا يشكّل خطرًا فوريًا لدى الأشخاص الأصحاء، لكنه قد يكون ذا عواقب سلبية لدى مرضى السكري، إذ يُخلّ بتوازن مستويات الإنسولين ويزيد من صعوبة التحكم بالمرض. كما أن الاستهلاك المتكرر لعصائر الفاكهة قد يسرّع من مقاومة الجسم للأنسولين، ما يمهّد الطريق للإصابة بالنوع الثاني من السكري، لا سيما لدى من لديهم استعداد وراثي أو نمط حياة غير متوازن.

وفي هذا السياق، وجدت بعض الدراسات الوبائية أن تناول الفاكهة الكاملة، مثل التفاح أو التوت، يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالسكري، في حين أن استهلاك العصائر حتى وإن كانت طبيعية قد يزيد من هذا الخطر. الفرق الأساسي يكمن في الألياف الغذائية الموجودة في الفاكهة الكاملة، والتي تساهم في تنظيم امتصاص السكر، بالإضافة إلى الشعور بالشبع الذي تقل فاعليته عند تناول العصير السائل.

ومع ذلك، لا يمكن إغفال بعض الفروقات الدقيقة التي تُحدث فرقًا حقيقيًا في تأثير العصير على الجسم، خصوصًا لدى مرضى السكري. فليست كل العصائر سواء. فالعصير المُحضّر منزليًا، خاصة إذا لم يُصفَّ بالكامل واحتفظ بجزء من اللب والألياف الطبيعية، يظل خيارًا أفضل بكثير من العصائر المعلبة أو التجارية التي غالبًا ما تُفقد فيها الألياف تمامًا وتُضاف إليها مواد حافظة أو سكر مكرر، حتى وإن كُتب عليها "طبيعي 100%".

هذه الألياف القليلة المتبقية في العصير الطبيعي تساعد ولو بشكل جزئي في إبطاء امتصاص السكر، مما يخفف من حدة الارتفاع في الغلوكوز بعد تناوله. كما أن طريقة تناول العصير تلعب دورًا جوهريًا. فعند شربه بكميات معتدلة ومرافقة وجبة متوازنة تحتوي على البروتين أو الدهون الصحية، يمكن تقليل سرعة امتصاص السكر في الدم بشكل ملحوظ، مقارنة بتناوله بمفرده على معدة فارغة.

إضافةً إلى ذلك، يُنصح بتجنب شرب العصير بشكل يومي أو اعتباره بديلًا ثابتًا لتناول الفاكهة، لأن هذه الممارسة قد تؤدي إلى تراكم السعرات والسكر في الجسم من دون الشعور بالشبع الحقيقي، وهو ما يفاقم خطر زيادة الوزن وتذبذب مستويات السكر.

ختامًا، يمكن القول إن عصير الفاكهة الطبيعي ليس "عدوًا" لمرضى السكري، لكنه بالتأكيد ليس بريئًا كما يُروَّج له. فبين الفائدة والضرر خيط رفيع تحدّده طريقة التحضير، والكمية، والسياق الغذائي العام. يبقى التوازن والوعي الغذائي هما الأساس، وينبغي النظر إلى العصير كجزء من النظام الغذائي الكامل، لا كمشروب يمكن استهلاكه بحرية. ولمن يعانون من السكري أو في مرحلة ما قبل السكري، يُفضل دائمًا الاعتماد على الفاكهة الكاملة بدلًا من عصيرها، واستشارة الطبيب أو اختصاصي التغذية حول الكمية المناسبة وتوقيت تناولها ضمن الخطة الغذائية اليومية.

الأكثر قراءة

استنفار أمني وسياسي «لنأي» لبنان عن الفتنة السورية تبريرات اسرائيلية مقلقة لعدوانها...هل تمهّد للتصعيد؟