لم يتمكن لبنان بعد التحرر من النفوذ الخارجي عليه، قبل نحو قرنين من الزمن، وان نال استقلاله في العام 1943، فانه نتاج صراع بريطاني ـ فرنسي على لبنان، ولمن القرار فيه، وهو ما ورثته اميركا عنهما مع تدخلها المباشر فيه منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، واتت بقواتها العسكرية لحماية الرئيس كميل شمعون، الذي تجاوب مع مشروع الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور للشرق الاوسط لمحاربة الشيوعية، فتسبب ذلك باحداث دموية عام 1958.
فالمشاريع الاميركية للمنطقة السياسية منها والعسكرية، لم يغب لبنان عنها منذ عقود، فكان الانقسام اللبناني حولها، الذي تحول توترات امنية تدرجت الى حروب داخلية، كان اطولها الحرب التي اندلعت في العام 1975 وانتهت عام 1995، وكانت حرب اميركا على لبنان لتمرير مشاريعها عبره، وكان آخرها مشروع "الشرق الاوسط الكبير" الذي تبناه الرئيس الاميركي جورج بوش الابن، وهو نفسه المشروع الذي طرحه الرئيس "الاسرائيلي" الاسبق شيمون بيريز، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ويروج له حالياً رئيس حكومة العدو "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو، والذي يهدف الى رسم خرائط للمنطقة في اشكال وحدود متعددة، مستندة الى ما كتبه برنارد لويس الباحث الاميركي ـ اليهودي، حول تقسيم المنطقة وتوزعها جغرافيا على طوائف واعراق واثنيات.
فلبنان دائماً ضمن المشاريع الاميركية، وتكون دولة عربية او اكثر مساندة لها لتأمين حضورها او نفوذها في لبنان، كمثل الاتفاق الاميركي ـ المصري في العام 1958 الذي توصل اليه الرئيس جمال عبد الناصر مع الموفد الاميركي ريتشارد مورفي الاول، والذي اوصل قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب الى رئاسة الجمهورية، وقطع التمديد على الرئيس شمعون، وهذا ما مكن الناصرية التي رفعت شعار الوحدة العربية من ان تتمدد الى سوريا واقامة وحدة معها، تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة".
ودام الاتفاق الاميركي ـ المصري على لبنان حتى عام 1970 عند وفاة الرئيس عبد الناصر، فورثت سوريا برئاسة حافظ الاسد لبنان ، والذي قاد "حركة تصحيحية" داخل حزب "البعث"، ووصل الى الحكم في 16 تشرين الثاني 1970، وبعد اكثر من شهرين على وصول سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وهو صديق الرئيس الاسد، وتم انتخابه في ظل صراع دولي على لبنان، بزمن الحرب الباردة بين اميركا والاتحاد السوفياتي.
فالاتفاق الاميركي ـ السوري، ادخل القوات السورية الى لبنان صيف 1976 في ظل حرب اهلية داخلية واجتياحات "اسرائيلية"، قام بعده توافق اميركي ـ سوري لتطبيق "اتفاق الطائف" بدعم سعودي ووقف الحرب الاهلية، وجرى هذا التوافق بعد مشاركة سورية برئاسة الاسد الاب، مع التحالف الدولي ضد الغزو العراقي برئاسة صدام حسين للكويت عام 1990.
فاميركا كانت شريكة مع دولة عربية لتأمين وجودها السياسي في لبنان، وكانت فرنسا تحاول ان تحشر نفسها، لانها تعتبر لبنان من الدول "الفرنكوفونية" التي كانت منتدبة عليه مطلع عشرينات القرن الماضي، الا ان واشنطن عملت وحيدة، وكانت مصالحها تتضارب مع مصالح دول اخرى احياناً.
ومنذ غزوها للعراق في آذار 2003، امسكت اميركا بالشرق الاوسط مع تراجع الدور الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فرسمت خارطة للمنطقة ولبنان من ضمنها، فتوافق الرئيس الاميركي جورج بوش الابن مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، على ان يتشاركا النفوذ في المنطقة، فكان قرار مجلس الامن الدولي 1559 في مطلع ايلول 2004 ، الذي طالب بانسحاب القوات السورية من لبنان ونزع سلاح الميليشيات والهدف حزب الله، فتسبب هذا القرار باضطرابات في لبنان، فحصلت عمليات اغتيال ابرزها مقتل الرئيس رفيق الحريري، فخرجت سوريا من لبنان ودخلت السعودية مكانها، فكان امامها النفوذ الايراني من خلال حزب الله، الذي شن العدو "الاسرائيلي" حرباً عليه صيف 2006، لكن المشروع الاميركي ـ "الاسرائيلي" للشرق الاوسط فشل، فقررت اميركا ان تعمم "الفوضى الخلاقة" في المنطقة، فدعمت ما سمي "الربيع العربي"، فاندلعت "ثورات شعبية" بدأت من تونس نهاية 2010 وامتدت الى دول اخرى ومنها سوريا، التي سقط نظامها بعد حرب عليها دامت نحو 14 عاماً، فظهر "نظام حكم اسلامي" فيها برئاسة احمد الشرع.
ومع انهيار حكم حزب "البعث" في سوريا، بدأ المشهد السياسي في لبنان يتغير لمصلحة تحالف اميركي ـ سعودي، انتج انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة، وبات القرار في لبنان خاضعا للنفوذ الاميركي بمشاركة دول في "اللجنة الخماسية"، الا ان واشنطن تريد ان يكون القرار لها وحدها، وظهر ذلك بوضوح في التعيينات العسكرية والامنية، التي هي امتداد للانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام فتتدخل دول "الخماسية"، لا سيما اميركا وفرنسا في تعيين حاكم مصرف لبنان، تحت عنوان مواكبة الاصلاحات المطلوبة من لبنان، فظهر خلاف اميركي ـ فرنسي على المحاصصة، اعتادها المسؤولون اللبنانيون، فحل مكانهم الاميركيون والفرنسيون مباشرة، وجرى تقديم اسماء لمن ترغب به واشنطن وباريس حاكما لمصرف لبنان، الذي عليه ان يعمل على تجفيف مصادر التمويل لحزب الله، بعد فرض اجراءات امنية اميركية في مطار بيروت، لمنع وصول اموال ايرانية وغيرها الى حزب الله.
فانتقل لبنان من المحاصصة الطائفية ـ السياسية، الى المحاصصة الاميركية ـ الفرنسية على التعيينات، وكان الفوز للاميركي الذي يريد هو ولا احد غيره في لبنان سياسياً وعسكرياً وامنياً ومالياً واقتصادياً، ويسلط العقوبات على من لا يرضخ لشروطه.
انه زمن الوصاية الاميركية على لبنان بالكامل، وهي الممتدة منذ اكثر من نصف قرن، وبمشاركة طرف عربي يتبدل وفق الظروف السياسية، التي كانت دائماً مشاريع للمنطقة ومدى تجاوب لبنان معها، وسبق لقوى وطنية وقومية ان تصدت لها، فنجحت احياناً وفشلت في احيان.
يتم قراءة الآن
-
ضوء أخضر أميركي يُشعل غزة... فماذا عن الجبهة الشماليّة؟ توترات أمنيّة تزنّر لبنان... هل يعود اللبنانيّون الى الشارع؟ الضغوط الدوليّة تعرقل التعيينات... التضامن الحكومي يهتز؟
-
حصار بالنيران جنوباً وشرقاً.. دمشق تواكب التصعيد «الإسرائيلي» إتصالات مع اشنطن وأنقرة... وتعليمات للجيش بردّ حاسم سباق فرنسي ــ أميركي لتعيين حاكم مصرف لبنان الجديد!
-
ادمون شحادة لـ"الديار": نادم على ضياع سنوات من عمري وتراجع موهبتي الكروية
-
كل عدو لـ "إسرائيل" كافر
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
13:11
الجيش اللبناني تمركز ضمن الحدود الادارية اللبنانية لبلدة حوش السيد علي بعد اجتماعات عقدت منذ الأمس بين الجيشين اللبناني والسوري لتحديد الحدود وفق الخرائط وستتم عودة الأهالي الى منازل البلدة ضمن الحدود اللبنانية بعد انتهاء الجيش اللبناني من عمله
-
13:07
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون: ليس هناك حل عسكري في غزة
-
13:07
ماكرون: يجب استئناف المفاوضات بشأن الأزمة في غزة
-
13:03
الكرملين: كييف تواصل الهجوم على روسيا وهو ما يتعارض مع جهود الرئيسين بوتين وترامب للتوصل إلى تسوية سلمية
-
12:49
القائد العام لـ"اليونفيل": "لا يمكن تطبيق القرار 1701 بنجاح إلّا من خلال جهودنا مع الجيش اللبناني لمنع التصعيد".
-
12:38
"التحكم المروري": اشغال على اوتوستراد الرئيس لحود باتجاه الصياد محلة السيتي سنتر وحركة المرور طبيعية
