اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


من المبكر اجراء تقييم نهائي لنتائج حرب الـ 12 يوما على ايران،وعلى الرغم من وجود تقييمات اولية يمكن الركون عليها لتوزيع نسب الارباح والخسائر، الا ان الاهم يبقى كيفية تسييل هذه النتائج سياسيا على مستوى التوازنات الاقليمية والدولية التي ستترك حتما انعكاساتها على الساحة اللبنانية حيث يزداد قلق خصوم حزب الله من تحولات في السياسة الاميركية تنتج تسويات غير مريحة عندما يفتح "بازار" التسويات، علما ان الصورة لا تزال ضبابية، ولا توجد خلاصات جدية حيال ما ستؤول اليه الامور.

لا خلاف على ان ايران تلقت ضربات إسرائيلية وأمريكية موجعة، وخسرت عدداً من خيرة علمائها في ميادين الطاقة النووية، ودُمّرت أجزاء واسعة من مفاعلاتها في نطنز وأصفهان وفوردو، ولكن هذا كله لم يستأصل الخبرة النووية، كما اضطرت اسرائيل والولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى وقف النار دون استكمال أهداف ذات سقوف عالية، تبدأ من تدمير مخزون اليورانيوم ولا تنتهي عند تدمير البرنامج الصاروخي، وتغيير النظام..

هذا التقييم الاولي، لا يروج له محور المقاومة بل تضج به الاروقة السياسية والاعلامية والعسكرية في واشنطن وتل ابيب، الحرب الكلامية بين ترامب وكل من صحيفة "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" وشبكة "سي إن إن" اكبر دليل على الازمة السياسية العميقة في واشنطن، بعدما نشرت وسائل الاعلام تقريرا سريا أوليا لوكالة الاستخبارات العسكرية، وجد أن حملة القصف الأمريكية اعاقت البرنامج النووي لاشهر وليس لسنوات.وقد توعد وزير الدفاع الاميركي بمحاسبة المسربين؟! وفي "اسرائيل" ايضا، قال اللواء في الاحتياط الإسرائيلي يوم توف ساميا "إيران هي من تحكّمت وحدّدت توقيت وقف إطلاق النار، ولا يقين بأن البرنامج النووي الإيراني قد تم تدميره فعلًا، لقد اشترينا بضع سنوات من الهدوء، بسعر باهظ، وبندبة لأجيال"..

هذا التقييم، ينطلق من واقع أن إيران قد نقلت الكثير من اليورانيوم عالي التخصيب قبل الهجوم الأمريكي الى منشآت سرية. ويبدو أن المواقع التي تعرضت للقصف لم تتكبد نفس القدر من الضرر الذي كان يأمله المسؤولون في الإدارة، مع بقاء العديد من أجهزة الطرد المركزي سليمة. فكمية الـ408 كلغ من اليورانيوم الذي نجح البرنامج النووي الإيراني في تخصيبها حتى الساعة مدفونة في مكان آمن على امتداد مساحة إيران الشاسعة. وقد فشلت "اسرائيل" والولايات المتحدة، خلال 12 يوماً في العثور على مخبأ اليورانيوم الثمين الذي بات أقرب إلى التخزين التمهيدي في انتظار كيلوغرامات أخرى مخصبة.

وفي هذا السياق، قال جون ولفستال، مدير منع انتشار الأسلحة النووية في إدارة باراك أوباما "الآن وقد برهنت أمريكا وإسرائيل قدراتهما بشكل أساسي وأطلقتا النيران، لكنهما لم تتخلصا من البرنامج النووي الإيراني ولم تطيحا بالنظام. ومن الواضح أن إيران أضعفت وتعرضت للإهانة بسبب الهجوم الإسرائيلي لكنها ستبحث عن طرق سريعة لإنتاج السلاح النووي".

واذا كان حزب الله يتعامل بهدوء مع نتائج الحرب، ويجري تقييما معمقا لنتائجها، فان خصومه على الساحة اللبنانية في حالة من انعدام اليقين، بعد ان ثبت عمليا ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب لا يريد ان يتورط في حروب خارجية،ومن المشكوك فيه ان يغطي اي قتال جديد في الشرق الاوسط، ووفق مصادر سياسية مطلعة، يخشون من استراتيجيته المقبلة حيال لبنان، وهم قلقون ان تنخفض وتيرة الضغوط على الدولة اللبنانية للاستعجال في طرح ملف سلاح المقاومة، خصوصا انه يبدو منفتحا على الحوار مع الايرانيين، والقلق الاكبر ان يكون لبنان جزءا من التسوية المفترضة مع طهران، ما يعتبرونه بداية ضياع الفرصة لاضعاف حزب الله. يضاف الى ما تقدم، لا تبدو السعودية بعيدة عن سياسية تمتين العلاقة مع ايران بعدما بات هاجس الخطر الاسرائيلي مقلقا للجميع في المنطقة، وبناء مظلة اقليمية جديدة يحتاج الى تفاهمات على مستوى كل الملفات، ولبنان لن يكون خارج هذه المعادلة.

وفي هذا السياق، لم ينجح رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع في زيارته الاخيرة الى بعبدا في تغيير جدول اعمال رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي جدد اصراره على معالجة الملف وفق اجندة تخدم المصلحة الوطنية اللبنانية، ورفض مجددا وضع جدول زمني غير واقعي، معتبرا ان واجبه الوطني يتقدم على اي مصلحة حزبية ضيقة او مصالح خارجية لديها جدول اولوليات قد لا يتوافق مع الواقع اللبناني، ولهذا يتم الحوار حول ملف السلاح بجدية وايجابية مع حزب الله، دون التخلي عن الاصرار على التخلص من الاحتلال، ووقف العدوان الاسرائيلي. ووفق تلك الاوساط، عندما استوضح جعجع من الرئيس عون مسألة الافكار المطروحة مع الاميركيين حيال استراتيجة "الخطوة مقابل خطوة"، فهم ان هذه الخطة لم تتبلور بعد، ولا يمكن الحديث عن "خارطة طريق" بهذا الصدد، بانتظار عودة السفير توم باراك قريبا.

في الخلاصة، قد يكون من الجيد أن يستمع جعجع الى تصريحات ترامب ويشعر "بالنشوة"، وقد يكون جيدا ايضا ان يستلهم ترامب من قناة "فوكس نيوز" ويستمتع بما يعتبره انتصارا عظيما. فكلما ازداد اقتناعه بأنه فاز بالفعل، قل احتمال استئنافه للحرب، وأفضل ما يمكن أن يتحقق بالنسبة لايران والمنطقة اقتناع ترامب تحقيق انتصار وهمي". واستغفال عقول الإسرائيليين، واللبنانيين، والعالم بأسره في الواقع، يبدأ من الأكذوبة الفاضحة بصدد التدمير الفعلي والنهائي لبرامج إيران النووية والبالستية، لكن خاتمة "حرب الـ12 يوماً" كتبتها طهران في الضربة الصاروخية على "بئر السبع".

الأكثر قراءة

ساعة اهتزت عظام نتنياهو