اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا ثقة بالاميركيين، لكن لا يمكن تجاوز دورهم في المنطقة والعالم، وهذا لا يعني "الاستسلام" لرغباتهم المدفوعة بمصالح "اسرائيل" اولا واخيرا.

في المقابل، لا يشك اي من الرؤساء الثلاثة بان مقارعة الادارة الاميركية الراهنة فيه الكثير من المخاطر، فالرئيس الاميركي دونالد ترامب لا يمكن توقع افعاله او ردود فعله، ولديه فهمه الخاص للديبلوماسية والعلاقات الدولية القائمة على "غطرسة" القوة، ولهذا عندما تمت صياغة الرد على "الورقة" الاميركية، كان ثمة خشية كبيرة من رد فعل المبعوث الاميركي توم براك المقرب من ترامب، والمعجب بشخصيته، وبادارته للامور.

واذا كان رئيس الحكومة نواف سلام قد "غسل يديه" مبكرا من النتائج، محملا الرئيسين عون وبري مسؤولية ما ستؤول اليه الامور، بعدما اخفق في اقناعهما بتبني رد اكثر موائمة مع الشروط الاميركية، "تنفس الصعداء" بعدما جاء رد الفعل متزنا، اقله في الشكل، وعاد للضغط في "الكواليس" لبلورة صيغة جديدة من الردود، لقناعة واضحة لديه بان الامر لن يطول، قبل ان يعود براك بلغة اقل لطافة، بعدما تمرر واشنطن جدول اعمالها في المنطقة، لا يبدو لبنان على رأس اولوياته لكنه جزء منها، وسيحين موعد طرحه على "الطاولة" في زمن ليس ببعيد.

القناعة بوجود موجة اميركية عالية قريبا، لا تغيب ايضا عن اجواء قصر بعبدا، حيث تسود "الدهشة" من ايجابية براك اللفظية، ومقاربته بديبلوماسية هادئة للموقف، على الرغم من رسائله المبطنة الشديدة "القسوة"، لكن ووفق مصادر مطلعة، لدى رئيس الجمهورية جوزاف عون قناعة راسخة بان ما تم التوصل اليه بالتنسيق مع حزب الله، هو الحد الاقصى الممكن في هذه المرحلة، والتي دونها قد يذهب لبنان نحو الفوضى والهلاك، ولكن مع تسليمه بالمنطق الايجابي المطروح من قبل "الثنائي" حيال التدرج في الحل، بدءا من الزام "اسرائيل" والدول الضامنة بتطبيق الـ1701 قبل الانتقال الى اتفاق جديد، الا انه كان يطمح الحصول على موقف اقل تشددا من قبل حزب الله، يمكن تسويقه عند الاميركيين، اقله في المرحلة اللاحقة، لكن الحزب اصر على موقفه لجهة عدم تقديم اي اجابة على اسئلة الاميركيين قبل الاوان، لان ذلك يفقد المفاوض اللبنانية "ورقة" قوة بيده، يمكن التفاوض عليها عندما يحين الوقت المناسب.

وفي هذا السياق، لم يغير الرئيس عون من قناعاته، وهو متمسك بالسلم الاهلي، ولا يريد تفكيك البلد، وهو واضح في مقاربته بان اي تلويح اميركي "بالعصا" لا يشمل ابدا نقل الصراع الى الداخل، واذا ارادوا ان يطلقوا يد "اسرائيل"، فلن يقدم الامر او يؤخر لان التجارب السابقة كانت واضحة للعيان، بان المزيد من القوة لن تجلب الاستقرار لاحد، بل ستؤدي الى المزيد من الدمار والحروب. وهنا ثمة رهان واضح على اختلاف في الاولويات الاميركية – "الاسرائيلية" التي قد يستفيد منها لبنان في "شراء المزيد من الوقت"، لتحسين شروط تفاوضه.

وتدرك بعبدا انه خلال لقاءات نتنياهو مع الرئيس ترامب ، ربما تتخذ قرارات مهمة لمستقبل الشرق الأوسط ، لكن يمكن الرهان على تمايز في الاولويات بين الرجلين، اضافة الى ان سوريا والحرب في غزة يتصدران جدول الأعمال، كما أن الملف الايراني يتصدر المشهد، ولبنان في قاع الاهتمامات. واذا كان هناك تقاطع جوهري بين أهداف نتناياهو وأهداف ترامب في الشرق الأوسط، الا ان نتنياهو يريد الحفاظ على هامش من الحركة، في حين يريد ترامب أن يتماشى نتنياهو مع السياسة الأميركية، وهو وجد نفسه متورطًا في حرب استمرت اثني عشر يوما بين "إسرائيل" وإيران، وضع حدا لها، ويريد أن يبقى اللاعب الرئيسي في المنطقة. وهو يطمح إلى إعادة تشكيل كبرى للشرق الأوسط حول السعودية ودول الخليج السنية و"إسرائيل"، لكن ذلك يتم على حساب الواقع السياسي وعلى حساب القضية الفلسطينية.

وكذلك على حساب الشيعة، بحسب ما تراه مصادر سياسية بارزة، التي تشير الى ان "الثنائي" لم يعد يرى في طرح ملف السلاح موضوعا بذاته، بل هو تفصيل في قضية "حياة او موت" طائفة، في ظل تحولات كبرى دفعت الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم للمجاهرة للمرة الاولى ،بان المسألة الراهنة وجودية للشيعة، ولم تعد مجرد حرب مفتوحة على حزب الله ودوره الداخلي والاقليمي. هذا التوصيف الشفاف لطبيعة المعركة يشكل ايضا قناعة راسخة لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، المقتنع الى حد اليقين، بان المسألة اليوم تبدأ بمحاولة نزع سلاح المقاومة، وستنتقل حكما الى محاولة انهاء دور "الثنائي" في الحياة السياسية الللبنانية.

ومن هنا لم يكن تفصيلا لقاءه بالامس مع مدير مكتب المرجع الشيعي سماحة آية الله السيد علي السيستاني في لبنان حامد الخفاف، حيث تمحور جزء كبيرمن اللقاء حول رغبة المرجعية الدينية، في الاطلاع على حقيقة المخاطر المحدقة بشيعة لبنان والمنطقة، خصوصا ان الساحة العراقية بدأت تشهد تحركات مريبة تزامنت مع الحرب "الاسرائيلية"- الاميركية على ايران، وتشعر المرجعية العراقية بالكثير من القلق حيال هذه التطورات، وبدأت تتلمس مخاطرها التي تشبه الى حد كبير حقبة "داعش" قبل سنوات، حين تتطلب الامر اصدار السيد السيستاني فتوى شرعية بوجوب القتال، واليوم تبدو المخاطر جدية وتحتاج الى رصد دقيق ومواكبة للاحداث، لاتخاذ الموقف المناسب في التوقيت المناسب.

لهذا فان بري، وبدعم من حزب الله، يريد ان يكون الشيعة حول طاولة المفاوضات وليس فوقها، فهم ليسوا مجرد رقم عابر يمكن تجاوزه في لبنان، تقول تلك الاوساط، وهم لن يبقوا على الهامش ينتظرون ان يقرر الخارج مصيرهم، كما فعل رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط الذي سلم قضاء وقدر الدروز الى "لعبة الامم"، التي ستقرر اي دور يمكن ان يلعبوه في المستقبل. هذا اذا كان ثمة دور لهم اصلا في ظل التوجه الواضح لدى الاميركيين للتحالف مع السنة في المنطقة. ولهذا فان "الثنائي" يحتاج الى الاستفادة من ما تبقى لديه من اوراق قوة، لكبح جماح "التغول الاسرائيلي" الذي لن يتوقف عن اي حدود اذا بدأت التنازلات.

في الخلاصة، تلخص مجلة "مديا بارت" الفرنسية المشهد بالقول، ان "طموح نتنياهو ليس السلام، بل الفوضى. ففي الفوضى، لا يبقى سوى القوة الغاشمة. التيار الديني في الحكومة "الإسرائيلية" يدفع نحو حرب دائمة. ولهذا الخطاب أصداء واسعة في المجتمع "الإسرائيلي"، الذي يعيش منذ أشهر شعورا بالقوة المطلقة، بفضل الحصانة الكاملة التي يتمتع بها على الصعيد الدولي. وسواء في غزة أو لبنان أو سوريا أو إيران، لا تملك لا "إسرائيل" ولا الولايات المتحدة رؤية حقيقية لما بعد الحرب. اما أوروبا، التي كانت تطمح لأن تكون ضامنة للعدالة والقانون الدولي، فقد أصبحت بلا تأثير، إذ تدعم "إسرائيل" بشكل شبه مطلق، متجاهلة الأرواح الفلسطينية واللبنانية والإيرانية المهدورة، ما يُسرّع تهميشها في المنطقة".

ولهذا، لا خيار امام "الثنائي" الا الصمود في مواجهة العاصفة، لان المعروض الآن وصفة انتحار يصعب قبولها، مع الادراك الكامل باحتمال حصول تصعيد "اسرائيلي" غير محدود، لا خيار الا بمواجهته.

الأكثر قراءة

بري الذي أذهل المبعوث الأميركي